كانت لدنة لينة تتعطف في رقصها وتميد في مشيتها حتى وصفت بعود الخيزران ثم صاء اسمها.. عُرضت في سوق النخاسة في بغداد.. جميلة ذكية ذات شخصية جذابة.. اوصلها القدر الى اعظم قصور الشرق لتكون زوجة امبراطور الشرق المهدي ثالث خلفاء الدولة العباسية ولتكون حاضنة لكل خلفاء بني العباس حتى افول نجمهم على يد التتار في 656 للهجرة.
امرأة حديدية بتعبير العصر الحاضر.. وبالمقارنة بين الامويين والعباسيين فان بني امية لم يعهدوا بولاية الخلافة لبني أُمهات الاولاد، لان الناس كانوا يستهينون بهم. وكانوا يرون زوال ملكهم سيكون على يد ام ولد.. فمثلا انجب عبدالملك بن مروان سبعة عشر ذكرا، وكان مسلمة ابن جارية لذلك لم يتول الخلافة مع كونه اعظم اخوته واحسنهم نباهة وذكاء حتى قال عبدالملك:
ألم انهكم ان تحملوا هجناء كم
على خيلكم يوم الرهان فتدركُ
وما يستوى المرآن هذا ابن حرةٍ
وهذا ابن أُخرى ظهرها متشرك..
أما في العصر العباسي فالحظوة كانت للجواري وولاية العهد لاولادهن.. والجند والحرس للاتراك.
وكانت الجارية لها قدرة على الانجاب وكثرة البنين.
ودامت وحدة الامبراطورية قرنين من الزمان 749 – الى 945 دون انشقاق ولا انفصال للدولة العظمى ثم جاء الانقسام والانفصال عن الدولة الام الكبرى، فنشأت الدويلات المستقلة البويهية والطولونية والحمدانية والاخشيدية.. وصارت الدولة لاثنين وعشرين خليفة منهم ثلاثة فقط لامهات حرائر وتسعة عشر خليفة من امهات من الجواري.
ومن هؤلاء الجواري الخيزران.. جاء في الموسوعة العربية الميسرة في تعريف زوجة المهدي ام الهادي والرشيد بالملكة الذكية الحازمة.. هي الخيزران بنت عطاء، من «جُرْش» من خلائف اليمن، وقيل من البربر من المغرب، وقال الذهبي من مولدات المدينة.
اشتراها محمد بن المهدي في 143هـ اثناء ولايته لأبيه الخليفة ابي جعفر المنصور.. ولدت موسى 144هـ وهارون 148هـ وتزوج المهدي غيرها، ابنة عمه السفاح (ريطة) ورقية بنت عمرو.. تحررت الخيزران بعد انجابها وأعلن عن زواجه بها عند توليه الخلافة بعد ابيه في 159هـ وكان المهدي يغدق بالهدايا على الخيزران وفي يوم فصدت اي تحجمت اهداها الف (1000) وصيفة ومع كل وصيفة هدية وألف دينار.
وتوفي المهدي في جرجان في خراسان وقال الحافظ الذهبي ان المهدي عزم على تقديم ولاية العهد للرشيد وتأخر الهادي فغضب الهادي ومضى الى جرجان فمات مسموماً..، وتولى الخلافة موسى الهادي ابن الخيزران الاكبر واخذ البيعة له اخوه هارون في بغداد وكان الهادي يغدق على امه الخيزران بالهدايا رغم غناها الفاحش.. اهداها عند توليه الخلافة مائة ألف ألف وستين الف ألف درهم اي ما هو في حساب العصر الان مائة وستون مليون درهم.. كان محبا لامه وشرسا مع الرعية والجند.. توفي مبكرا في السادسة والعشرين من عمره بعد خلافته بسنة وشهر واحد وتقول معظم المراجع انه لم يمت حتف انفه.. وقيل قتلته امه الخيزران وقال الطبري بل اصابته قرحة في معدته فمات من مرضه، وقال الذهبي انه كان شرسا فعزم على قتل اخيه هارون فسمته امه الخيزران.
ولما ماتت الخيزران وجد في قصرها ثمانية عشر ألف كساء موشى لها.
وعندما تولى الرشيد الخلافة ولى يحيى البرمكي الوزارة وامره ان لا يقطع امرا الا بمشورة امه الخيزران فتشاورا في كل امور الدولة.. وكانت كريمة محبة للرعية.
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق