ها أنا أعود للكتابة، بعد محاولة للانقطاع التام لأسباب صحية بحتة، لكن يبدو ان الكتابة أو السياسة مرض عضال ليس من السهل التعافي منه. أنا حاولت الانقطاع لأسباب صحية، لكن أيضا يجب الاعتراف بان «الركود» أو الخمود الحالي يشجع، ان لم يكن يدفع بالكاتب المعني بمتابعة الاحداث والتعليق عليها، الى الاعتزال أو التغاضي عما يجري، لانه ببساطة ليس هناك شيء يحدث أو يستحق الشرح أو التعليق، كما كانت الحال في مراحل التفاعل والتوتر السابقة.
الاتجاه الحكومي لتعيين «البدون» في فرقة الجيش الموسيقية يثير الريبة، بل في الواقع يدفع الى الحنق والاستهجان. ليس ضد «البدون» كما قد يبدو، بل في الواقع انتصارا لهم. فمجتمعنا أو حكومتنا بالذات لديها موقف من «الموسيقى»، ففي السنوات الاخيرة التي تسيد فيها التحالف الديني القبلي الحكومي، من خلال «الصحوة» الدينية المزعومة، تم اعتبار الموسيقى من «الموبقات». بل اتى النشيد الوطني على سلم هذه الاولويات عند البعض. المفارقة اننا كنا نمتلك منذ الخمسينات افضل فرقة عسكرية موسيقية ليس في المنطقة أو الشرق الاوسط كما يثار في العادة. بل في العالم كله.. فقد فازت فرقة الشرطة الموسيقية بعدة جوائز عالمية، واعتبرت وقتها من افضل الفرق الموسيقية العالمية، لدرجة ان الانكليز «المعازيب الاصليين» استعانوا بها للاحتفال بعيد الملكة «اليزابيث» الذهبي في منتصف السبعينات، وكلنا نتذكر الفرقة وعزفها المميز قبل المباريات والمناسبات في ثانوية الشويخ.
الان يبدو ان الحكومة تعيد تشكيل الفرقة، لكن لا يزال لديها هذا الاستصغار والموقف السلبي من الموسيقى. لهذا تم اختيار «البدون» لملء الشواغر الوظيفية التي تعتقد الحكومة ان الكويتيين سيتعففون عن الالتحاق بها. في رأيي هذه اهانة لـ«البدون»، بل هي ايضا تحقير للموسيقى وللمهن الفنية بشكل عام. وهو سلوك يتناسب مع التخلف والتعصب الذي تميزت به السلطة هنا ضد الكثير من الفئات الاجتماعية والظواهر العصرية.
ان الموقف السلبي من «البدون» ينسحب حتى الى المؤسسة الامنية الكويتية، حيث تجري المشاورت حاليا بين السلطة ونواب مجلس الامة لقبول «البدون» في الجيش والشرطة. والسؤال هنا: لماذا فقط الجيش والشرطة؟ لماذا لا يكون «البدون» مهندسا أو معلما أو طبيبا، أو حتى كاتبا يمارس التدقيق البيروقراطي الحكومي؟ لماذا حصر عمل «البدون» في الجيش والشرطة؟!
إذا كان الهدف ضم «البدون» الى المجتمع، فان المفروض الا نميزهم عن بقية افراد المجتمع. وقصر توظيف «البدون» على الجيش والشرطة يعني الاصرار على ابقائهم اسرى الماضي واعمال الحراسة والحرابة، مما يعني في النهاية عزلهم اجتماعيا، والاستمرار في تأكيد انهم غير..!! أي مواصلة ممارسة التمييز والاضطهاد.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق