الاستفتاء الذي تولاه مكتب مجلس الامة لتحديد اولويات الدولة والوطن، اعتبره البعض خطوة «ديموقراطية ذكية»، فيما المشككون اعتبروه «اجندة شخصية» و«محاولة لمزيد من التكسب السياسي». والواقع انه أسوأ من ذلك بكثير، بغض النظر عن حسن النية او سوئها فيه.
الناس ينتخبون «النخبة» لتتولى نيابة عنها قيادة البلد وتحديد «اولوياته» ورسم طرق وطرائق تحقيق هذه الاولويات. لهذا فان اعضاء مجلس الامة، وليس احدا غيرهم، هم من المفروض ان يكونوا من يحدد الاولويات وهم من يفرض على الحكومة مسألة متابعتها وتنفيذها وفقا لامكانات البلد وقدراته قبل احتياجات ابنائه.
أعضاء مجلس الامة الذين قرروا استفتاء الناس والتعرف الى اهتماماتهم هم أعضاء مجلس الأمة ذاتهم، الذين قضوا الشهور الماضية بين ناخبيهم و«تعرفوا» الى اتجاهاتهم، وتحسسوا احتياجاتهم، وتعهدوا ايضا بتحقيق اماني وطموحات الناخبين العامة. اذاً ما الذي حدث؟..ولماذا قررنا فجأة ان نعود الى الناس..خصوصا بعد اشهر من الذوبان والالتصاق حتى الملل بهم.؟!
القيادة يجب ان تبقى للمتخصصين والفنيين والسياسيين الذين من المفروض فيهم ان يكونوا على اطلاع على مجمل الامكانات والتحديات، وبالتالي رسم السياسة العامة وفقا لما توفر لهم من معلومات وما يملكون من خبرات وقدرات فنية.
العامة، وانا منهم، ليس لديهم شيء ولا يملكون ما يؤهلهم لرسم السياسات او وضع الخطط المستقبلية.
اكثر من هذا، العامة يحلمون بتحقيق كل شيء، ومستعدون لصرف كل شيء لتلبية رغباتهم واحتياجاتهم الآنية.
القيادة والناس «الكبار» الذين قرروا تمثيلنا وتوجيهنا، من المفروض ان تكون لديهم الحلول، ولديهم قبلها صورة واضحة عن المشاكل والاهتمامات.. لهذا انتخبهم الناس، ولهذا ايضا تصدوا للقيادة والتشريع والتنفيذ.
حتى بافتراض ان الاستفتاء كان ضرورة وهو خطوة صحيحة ومستحقة كما اعتقد البعض، بافتراض ذلك، كان الاسلم ان يجري بشكل سري ودون الاعلان او الضجة التي صاحبته. لان هذا هو احد اهم شروط ان يكون الاستفتاء تعبيرا حقيقيا عن هموم المواطن الحقيقية وأولوياته.
اجراؤه بهذه «البهرجة» الاعلامية التي صاحبته حوّله ويحوّله الى نتيجة حتمية للاعلام المهيمن، والى تعبير عن رؤى الساسة وقوى التوجيه المعنوي في المجتمع.. وليس كما اراد مكتب المجلس تعبيرا عن المطالب العفوية الحقيقية للانسان الكويتي!
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق