أعتقد أنه ليس ثمة جرائم غريبة أو عادات “دخيلة” على المجتمع المحلي, فما يحدث من سلوكيات وتصرفات سلبية أو مدمرة في أي بيئة إنسانية ترجع أسبابه إما لضعف في تطبيق القانون أو بسبب قصور القوانين المعمول بها عن مواكبة العصر ومشكلاته الاجتماعية المتغيرة. فلا يمكن منطقياً في عالم اليوم قبول التفسير الغامض لما يحدث من جرائم عنيفة في أي مجتمع إنساني ووفقاً لنظرية غياب “الوازع الديني” أو بسبب طغيان العادات والسلوكيات الدخيلة, أو انحدار الوازع الأخلاقي, مهما كانت الطبيعة الفعلية لهذا الأخير.
ما يحدد انتشار جرائم معينة في أي مجتمع إنساني معاصر هو ضعف أو غياب “الوازع المدني والقانوني وهو يتمثل في احترام عضو المجتمع لقوانينه المحلية وخوفه من عواقبها, فلا يمكن فقط لوم “الوازع الديني” على انتشار جرائم معينة وذلك لأن الوازع الديني والأخلاقي غالباً خيارات شخصية للغاية لا علاقة لها مباشرة باحترام الفرد للقانون أو بتقيده بالمسؤوليات والواجبات الاجتماعية المدنية. فمن يحاول لوم “غياب الوازع الديني” لتفسير انتشار جرائم الطعن بالسكاكين والتصرفات والفوضوية لا يزال يعتقد أن ثمة جهة رسمية تملك الحق في ممارسة الحسبة أو “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ومسؤولة بشكل مباشر عن غياب أو ضعف الوازع الديني في المجتمع, ما يكرس احترام الفرد للقانون هو طبيعة علاقته بالهوية المدنية لمجتمعه الوطني, فإذا كان الفرد يحترم مدنية مجتمعه فسيحترم القانون, والعكس صحيح.
من يؤمن أنه ينتمي فعلاً لمجتمع مدني ومنظم وقانوني سيظهر احترامه لكرامات الناس الآخرين وسيحافظ على الممتلكات العامة وسيلتزم بالدور وسيربط حزام الأمان مادام يعلم جيداً أن ثمة جهات رسمية وقانونية تطبق القانون بحذافيره على الجميع, بلا استثناء. فلا يمكن التعامل مع الوازع الديني في عالمنا المعاصر وكأنه مجموعة من القوانين والاجراءات الواضحة والتي يمكن التأكد من تطبيقها في الحياة اليومية.
من يردد أن السبب الأول والأخير للجرائم العنيفة هو غياب “الوازع الديني” لمرتكب الجريمة النكراء, يحاول تغطية الشمس بمنخل, فالجريمة لا علاقة لها بالضرورة بما يؤمن به الشخص, فثمة حوادث شنيعة ارتكبت على أيدي من عرف عنهم ورعهم المزيف واستغلالهم للخطاب الديني لقتل الآخر المختلف, دعونا بداية نكرس الحس المدني والهوية المدنية في المجتمع, ومن ثم نتحدث لاحقاً عن الوازع الديني.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق