أعتقد ان ثمة نوعية حشرية ومتطفلة من بني البشر يرغبون دائماً في بسط وصايتهم الأخلاقية على الآخرين. فما يدفع هؤلاء المتطفلين على الحياة الخاصة للأفراد المستقلين نزعتهم الفطرية لبسط سيطرتهم المعنوية والجسدية على مصائر الناس. وبالطبع, يتصف هؤلاء الأشخاص الحشريون والمتطفليون باعتقادهم الغريب أنهم أكثر استقامة من بقية خلق الله. فلا يألون جهداً في إظهار نزعاتهم الشخصانية والحشرية لفرض سيطرتهم على قرنائهم أو أقربائهم أو أصدقائهم أو عامة الناس بحجة انهم أكثر أدراكاً وفهماً لما هو أخلاقي. في عالم معاصر ومتطور انتشر فيه الوعي الروحي والمادي يصعب علي كفرد حر ومستقل قبول حشرية أحدهم أو أنه يملك الحق في السيطرة الأخلاقية على سلوكياتي وتصرفاتي الشخصية. فمن يرد فعلاً التأثير إيجاباً على قرنائه أو على عامة الناس فليحاول قدر ما يستطيع أن يصبح هو نفسه “قدوة أخلاقية حسنة” دون أن يضطر لاقحام أنفه فيما لا يخصه, فعصر الوصاية الأخلاقية الشيفونية ولى بلا رجعة, ولم يعد إنسان اليوم ملزماً إتاحة المجال لأفراد عاديين التدخل في كيفية إدارته لحياته اليومية.
الإنسان العاقل والمستقيم اخلاقياً لن يضطر إلى اقتحام خصوصيات الناس, بل سيحرص قدر ما يستطيع أن يعيش حياة إنسانية أخلاقية مستقلة من دون حاجته لفرض وصايته على أحد, ما لم يكونوا أبناءه القصر. بل على الوالدين لاحقاً عتق أعناق أبنائهم من وصايتهم الأخلاقية وقت ما يبلغون, ينصحونهم برفق وبتسامح لاحقاً بما يظنون أنه سلوك إيجابي أو تصرف صحيح.
فالوالدان مسؤولان أخلاقياً عن أبنائهما لسن معين, ولكن عند بلوغ الأبناء تؤول المسؤولية الأخلاقية للفرد نفسه. فإذا اختار أحدهم التقيد بمبادئ القدوة الحسنة والتزم بالأخلاق “الحميدة” فهذا شأنه, وأما إذا اختار العكس, فهذا شأنه أيضاً وعليه تحمل تبعات سلوكياته وتصرفاته بشكل كامل. فالإنسان المستقيم أخلاقياً والمتزن عقلياً لا يتدخل في خصوصيات الناس حتى لو كانوا أقرب الناس إليه, ما لم يطلبوا منه المساعدة. فلا يحاول اقتحام حياتهم الخاصة وليس مسؤولاً عن مراقبة ضمائرهم الشخصية. اللهم إلا إذا كان الحشري والمتطفل يرغب فقط في ممارسة الرقابة على ضمائر الأفراد الأحرار.
رسالتي الشخصية لكل متطفل وحشري هي التالي:احذر أن تقتحم خصوصياتي الشخصية, فلم أفوضك أن تصبح وصياً أخلاقياً على حياتي الخاصة, ولم أفوضك أيضاً أن تُقحم أنفك الحشري في ما يخصني ولا يخصك”.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق