الحكومة تنسج هيبة الدولة وتحافظ عليها, فهل حكومتنا تفعل ذلك, أم أنها بالاجراءات التي تتخذها, لا تهدر هيبتها فقط, بل تشجع الناس على ابتزازها وتدفع عنها اولئك الذين التزموا الدستور واحترموا القانون وتصدوا للحراك المشبوه وحموا, بذلك, الدولة والمجتمع?
هؤلاء الذين التفوا حول الدولة عاقبتهم الحكومة بالإقصاء من مراكزهم وبتهميشهم, ثم أتت بالذين تطاولوا على مسند الإمارة والحكم ليمسكوا بمفاصل الدولة عبر سلسلة تعيينات خالفت فيها الأعراف والقوانين.. وبعد ذلك يسألونك عن السبب في زيادة المتطاولين والمخالفين! أليس في هذا السلوك مأساة حقيقية?
ألم يتحول قرار تقاعد من خدموا ثلاثين عاماً إلى فرصة لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية? لقد أقيل بعض من خدموا الوطن بإخلاص, وربما حل او سيحل مكانهم “الإخونجية” أو غيرهم ممن تجمعوا في ما يسمى ساحة الإرادة شاتمين متطاولين محرضين على الفوضى والعنف والخروج على القانون?
في الدولة الطبيعية, حيث القانون هو الحكم, للموظف الحق بالترقية, ومن يتقاعد يحل محله من يليه في الخبرة والتسلسل الوظيفي, الا في الكويت, فالعكس هو السائد, يُقال صاحب الخبرة ويهبط مكانه, بمظلة الواسطة, أشخاص من خارج ملاك المؤسسات والوزارات, أشخاص عملوا ليلاً على مخالفة الدستور والقانون ثم تسلموا, صباحاً, أعلى المناصب وراحوا يوظفون المقربين منهم, وكأن الحكومة تقول للخارجين على الإجماع الوطني والقانون: كلما تطاولتم.. فتحت لكم أبواب المؤسسات!
حكومة تشجع الناس على ابتزازها, فهل بذلك تحافظ على هيبتها وهيبة الدولة? ألا تقول, بذلك, للجميع في الداخل والخارج إنها بلا بوصلة?
أتريدون دولة قوية قادرة تتمتع بالهيبة? اذاً عليكم بتغيير نهجكم والتخلي عن أسلوب الخضوع المتبع حالياً, حاسبوا من ارتكب الاخطاء عامدا متعمدا, ومن حرض الناس على الخروج الى الشارع والتظاهر سعيا الى تحقيق اجندات مشبوهة ومطالب شخصية, ومن صور للشعب ان الدولة تكرس مبدأ “من صادها عشى عياله” فنحن في دولة ولسنا في غابة حيث صاحب الصوت العالي الذي يتقن فن الشتم والترهيب هو الذي يفوز.
الدول الطبيعية لا تعاقب من يقف الى جانب استقرارها وأمنها, ولا تبعث المرارة في نفوس ابنائها الميامين عبر اقصائهم وتهميشهم والتخلي عنهم.
الدول لا تخضع.
الدول لا ترتعد فرائصها بارتفاع عقيرة من يرفع المطالب المشبوهة.
الدول الحقيقية لا تعبد الطرق أمام من يسعى الى هدمها ولا تغدق نعمها على الساعين الى الانقلاب عليها.
الدول الناجحة تقدم الى شعوبها حكومات تصنع القرارات الرشيدة فتعزز من هيبتها, فأين الرشد في قرارات حكومتنا?
نقولها بالفم الملآن: لا نريد حكومة تكاد تقول للناس تطاولوا واشتموا وابتزوا تنالوا ما تريدون!
يا حكومتنا الموقرة: أوقفي سياسة التعيينات المستندة الى أجندات سياسية أقل ما يقال فيها انها غامضة حتى لا نقول مشبوهة! الموالون لك من أبنائك عطاش الى ماء العدل والتقدير والهيبة, فلماذا تجرعينهم رمل القهر واللامبالاة بمصائرهم? لماذا يبدو الأمر وكأنك تدفعينهم دفعاً للندم على يوم وقفوا الى جانب الدولة والحكم? لماذا تظهرين وكأنك تتساهلين مع من يشيع ثقافة “الدولة كالجوزة لا تؤكل إلا حين تكسر!”?
يا حكومتنا العتيدة: حذار أن تقدمي لمن يسعى الى كسر الدولة أداة كسرها!
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق