صالح الشايجي: الوهابيّة

كثيرا ما تأخذ الأشياء أشكالا وأنماطا مغايرة لحقيقتها، ومع مرور الزمن يستقر في أذهان الناس النمط أو الشكل المغاير ويتم نسيان الأصل.
ولقد قامت فكرة المذهب الوهابي ـ أو ما اصطلح على تسميته بـ «الوهابية» ـ والذي أسّس له «محمد بن عبدالوهاب»، على الغاء المقدّس البشري وحصر التقديس بالإله الواحد ومحاربة أشكال الشرك وما لحق بالإسلام من خزعبلات وتخاريف وتقديس لغير المقدّس، من أجل تنقية الدين وتقويم أفهام المسلمين بحقيقة دينهم.

ولكن ومع مرور الزمن، تمّ تحريف فهم هذا المذهب التجديدي المتقدّم، وتلبيسه رداءً غير ردائه وفهما على غير حقيقته، ممّن لم يكن يفهم «الوهابية» على حقيقتها ولا يدرك ما تحمل من مفاهيم تصحيحية متقدمة.

ولولا الوهابيّة لكانت أفهام المسلمين الدينية وسلوكهم الديني على غير هدى صحيح، ولسارت ـ ربّما ـ في ضلال وتخبّط ولأخذت الخرافة بألباب المسلمين ولكان التقديس للبشر الخطّائين في أوجه وأعلى درجاته.

ولكن ما حدث ـ وبالذات في وقتنا هذا ومع ظهور موجة العنف الديني والتشدّد والتزمّت ـ هو إلصاق كل ذلك بـ «الوهابيّة» وتحميلها مسؤولية التشدد والتخلف والتزمت الديني، بل وحتى الإرهاب.

وساعد على هذا، وجود عاملين في الحقل الديني ممن يحملون فكرا دينيا منحرفا وغير واع ومن أصحاب الفتاوى المتصادمة مع الواقع ومع الفهم البشري والمتناقضة مع العقل.

حتى صار كل من يحمل مثل هذه الأفكار المنحرفة والمتخلفة ينسب لـ «الوهابية»، و«الوهابية» منه براء بل إنّها تسير عكس هذا الاتجاه تماما، فلا قدسيّة للبشر ولا تقديس لهم في المذهب الوهابي، على عكس ما يجري اليوم من تبجيل وتعظيم لمن يسمون رجال دين ومبالغة في تعظيم شأنهم وإعلاء مكانتهم فوق مستوى البشر حتى وصل الأمر حدّ تقبيل أيديهم وهو ما نراه لدى من يسمّون بـ «الإخوان المسلمين».

وفي الحقيقة لا أدري، هل تحريف فهم الوهابية قد تم بقصد وبسوء نية، أم أنّه من باب الجهل بها وعدم فهمها على حقيقتها! وأنّ أعداء الوهابيّة ومن لهم مصلحة بإبقاء انحراف الفهم الديني، هم الذين ساهموا في التشويش على أفهام المسلمين فيما يتعلق بالوهابية؟!

katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.