«بصّرت ونجمت كثيراً».. كما يقول العندليب الراحل عبدالحليم حافظ في رائعته الخالدة.. «قارئة الفنجان»، .. «لكني لم أعرف أبداً».. تقريراً يشبه تقريرك!!.. يا منظمة العفو الدولية.
فلقد طالبت منظمة العفو الدولية دولة الكويت بوقف ما وصفته بـ«التمييز والمضايقات التي يتعرض لها مثليو الجنس والمتحولون جنسياً».. ودعت المنظمة الكويت إلى «إلغاء القوانين المجرّمة للعلاقات الجنسية التي تتم بالتراضي بين البالغين».
ودعت المنظمة كذلك الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الى التراجع عن فكرة اخضاع الوافدين الى فحوصات طبية تهدف الى التحقق من ميولهم الجنسية بهدف منع المثليين من الحصول على حق الاقامة في البلاد.
ووصفت المنظمة هذا المشروع لفحص الوافدين بـ «المشين».. واضافت «يجب التخلي عنه». واعتبرت المنظمة ان هكذا مشروع انما هو انتهاك لحقوق الانسان والخصوصية وأن تطبيقه يعني استمرار الاضطهاد على اساس الميول الجنسية.
انتهى هنا ما نقلته «الوطن» أمس عن منظمة العفو الدولية، وأقول للمنظمة حول هذا التقرير.. «لكن سماءك ممطرة.. وطريقك مسدود مسدود».
أما لماذا مسدود؟.. فإنني استغرب ان منظمة العفو الدولية عندما تدعو الى هكذا دعوات وتطالب بهكذا مطالبات لا تكون قادرة على استيعاب مدى التغلغل الديني في النفوس والاختلاط الديني بالعادات والتقاليد وبشكل لا يمكن معه لا لمنظمة العفو الدولية ولا لجهات اخرى حاولت.. وبأساليب وحشية وقمعية ان تلغي بعض الثوابت الاسلامية أو الاجتماعية المصطبغة بالصبغة الدينية من النفوس والسلوكيات حيث فشلت كل هذه الجهات رغم الحديد والنار والتعذيب.. ومع ذلك لم تفلح.
لذا الافضل لمنظمة العفو الدولية ان تعرف ان الدين الاسلامي يرفض المثلية ويرفض الاباحية ويرفض العلاقات غير المشروعة ويفرض العقوبات على تلك السلوكيات، وهو رفض امتد إلى السلوك الاجتماعي نفسه فحتى غير المتدين يرفض مثل هذه السلوكيات.
وأتمنى على منظمة العفو الدولية التي أتساءل (لماذا لا يوضح لها الأمور بواقعية اعضاؤها المنتمون إليها من الكويت؟ علماً بأنها ليس لديها مكتب رسمي في الكويت، لكن هناك اعضاء منتمين إليها ويزودونها بالمعلومات)، أتمنى عليها أن تدرس بإمعان قليلٍ حالات عربية وإسلامية أخرى معينة لترصد وتعلم أن الإسلام حالة غير قابلة للإلغاء.. ودين غير قابل للمسح ولا النزع من النفوس، لذا عليها أن تغير من طرحها وأسلوب بياناتها تماماً.
ونتساءل: هل راقبت المنظمة التطورات الاخيرة في تركيا؟.. هل رصدت الغاء «أتاتورك» الذي بلغ في يوم من الايام حالة تقترب من المقدس بحماية ورعاية الجيش؟.. هل رصدت المنظمة كيف الغاه أردوغان الإسلامي وشطبه بمنتهى السهولة من طابور الصباح بدعم شعبي تركي رغم كل سنوات العلمانية التي فرضت تقديسه على هذا الشعب؟.
هل رصدت المنظمة الوضع في العراق، وكيف لم تؤثر فيه اربعون عاماً من الحكم «الكافر».. «البعثي».. و«العفلقي» ليصبح هذا البلد واحداً من أسوأ البلدان التي تعاني من الأزمات الطائفية الدينية ممثلة اولا في الصراع السني – الشيعي وصولا الى استهداف الاقليات لاسباب دينية ايضا.. وكل يوم نرصد حالات اضطهاد وقتل وتهجير العراقيين من النصارى أو الأيزيديين؟
سورية.. أيضاً أربعون عاماً من البعث العربي (المزعوم) وصرامة الحكم الدموي الذي لا يغفر ولا يتغاضى عن اي نزعات اسلامية.. ولكن فور قرع جرس الربيع العربي تكشفت تلك اللحية الخفية في هذا البلد الذي وصل حال الاضطهاد الديني فيه ايام قوة البعث ونظامه الى مطاردة المصلين والملتحين عدا عن أحداث «حماة» التي مازال العالم يذكر مجزرتها.. لكن كل تلك التجارب وكل تلك الدموية.. رحلت تأثيراتها فجأة واستعاد الشعب السوري تدينه بل وتعصبه الطائفي ايضا في حالة مشابهة لما حدث في العراق وان كانت اخف وطأة حتى الآن.
هل شاهدت منظمة العفو الدولية تونس؟ هل يعلمون ان الحبيب بورقيبة كان «فارطها على الآخر».. لا صيام ولا حجاب.. بل ولا حتى «بكارة»!، كما سمح للمطلق بالثلاثة أن يعود لزوجته دون محلل، ومنع تعدد الزوجات ومنع الطلاق إلا بالمحكمة وأقر حق المرأة بالإجهاض.
ورغم كل ذلك، ورغم حكم خليفته المخلوع زين العابدين بشكل معادي للإسلاميين، لكن كلنا شاهدنا هذا الكم الهائل من التونسيين العائدين والعائدات الى الدين الإسلامي بتعاليمه، ماسحين فوراً كل أثر لحكم بورقيبة وزين العابدين.
إذاً.. فإن الإسلام يعود فوراً وبانسيابية وسرعة هائلة بمجرد زوال المانع، حتى لو كتم هذا المانع على أنفاس الشعوب لعشرات السنين.
وبالتالي..فمن حقي أن أتساءل: ألا يفهم من صاغ بيان منظمة العفو الدولية أن رفض وتجريم الشذوذ والعلاقات المثلية، وكذلك العلاقات غير المشروعة هو من صميم تعاليم الإسلام التي لا تقبل القسمة على اثنين ولا يمكن إلا الالتزام بها؟.. وأن من يحاول أن يفرض غير ذلك على الشعوب ربما يكون مصيره.. «مفقود.. مفقود.. مفقود.. يا ولدي»؟.
وبناء على كل ذلك أتمنى أيضاً أن أفهم.. هل من صاغ بيان منظمة العفو الدولية «مو فاهم» فعلاً.. ولاّ «يستهبل»؟!
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق