إبراهيم العوضي: حديث “الشايب” والقضية الإسكانية

يقول المؤلف الإيرلندي الشهير برنارد شو: (مأساة العالم الذي نعيش فيه تكمن في أن السلطة كثيرا ما تستقر في أيدي العاجزين)، ومأساة الكويت اليوم أن الحكومة ظلت عاجزة لسنين طويلة عن حل المشكلة الإسكانية. لم أتعجب كثيرا عندما شاهدت نتيجة الاستطلاع الذي أجراه مكتب أمانة المجلس حول أولويات المواطنين وكيف أن المشكلة الإسكانية، احتلت المركز الأول ضمن أهم القضايا التي تهم المواطن. وسر عدم تعجبي يكمن في أن إدارة البحوث والدراسات في مجلس الأمة أجرت في مايو من عام 2008 استطلاعا حول أولويات الناخب الكويتي ابان فترة الانتخابات واحتلت فيها القضية الإسكانية المرتبة الأولى بلا منازع. ما الفرق بين 2008 واليوم، واقع الحال يقول لا شيء سوى مرور خمس سنوات!

واقع الحال أيضا يقول، ان المشكلة ليست بالمادة، مع دولة تتمتع بفوائض مالية ومعدلات عالية في إنتاج النفط واحتياطات ضخمة في صناديقها واستثمارات منتشرة في أنحاء العالم. والمشكلة أيضا ليست بالأراضي، بعد أن أعلنت شركة نفط الكويت في أكثر من مناسبة عن تحرير وتسليم أكثر من خمسة آلاف كيلومتر مربع للجهات الرسمية لاستخدمها للأغراض السكنية، علما بأن المساحة المذكورة تعادل نحو ربع مساحة الكويت! المشكلة تكمن فقط في الرغبة والإرادة في تحقيق الإنجاز!
إن صدور قانون الرعاية السكنية رقم 47 لسنة 1993 جاء لسبب واحد وهو توفير المسكن المناسب ودعم مقومات المجتمع الأساسية بما يكفل العيش الكريم، إلا أن المؤسسة العامة للرعاية السكنية مازالت عاجزة لسبب أو لآخر عن تلبية حجم الطلبات المتزايد والذي قدر بنحو 105 الاف طلب. ولا نحتاج إلى أدلة دامغة لإثبات هذا العجز، فالمؤسسة لم تتمكن من توفير أكثر 6207 طلبات خلال الفترة من 2007-2011 بينما بلغ حجم الطلبات وحده خلال عام 2012 أكثر من ثمانية آلاف طلب. مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من 61 في المئة من الشعب الكويتي من فئة الشباب دون السن الرابع والعشرين ما يعني تزايد حجم الطلبات بشكل تصاعدي خلال الأعوام المقبلة.
وإذا كانت الدولة عاجزة عن توفير هذه الطلبات المتزايدة، فلماذا لا تشرك القطاع الخاص في مشاريعها الإسكانية؟ لقد مللنا من مقولة ان (التجار حرامية) وانهم (سرقوا فلوس الكويت!) ومن غرس مفهوم (حاميها حراميها) حتى أصبحنا ضد أي مبادرة أو مشروع أو مقترحات تصدر من القطاع الخاص. لماذا لا نأخذ الأمثلة من الدولة المتقدمة في هذا المجال؟ ففي الولايات المتحدة، تسهم الحكومة الفيدرالية في 3 في المئة فقط من حجم المشاريع الإسكانية أما في بريطانيا، فإن الحكومة قامت بتوفير 33 في المئة من حجم المشاريع السكنية، أما المشاريع المتبقية فكانت بمساهمة القطاع الخاص.
ما دفعني لكتابة المقال، هو حديث هزلي لأحد ( الشيّاب ) خلال زيارتي لأحد الدواوين، يقول فيها انه يجب على الحكومة أن تخصص أراض ضخمة وتوزعها على القطاع الخاص بالمجان، على أن تتكفل الشركات ببناء منازل بمواصفات تحددها الحكومة ووفقا لشروط ومعايير واضحة على أن يكون ذلك وفقا لإشراف ومتابعة الجهاز المختص وبشرط أن توزع هذه المنازل بالمجان على المواطنين. ولكي يستفيد القطاع الخاص، فعلى الحكومة أن تسمح باستغلال مساحات محددة للأنشطة التجارية والترفيهية والخدماتية ليتمكن القطاع الخاص من استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق عوائد على الاستثمار. وبمزيد من الفكاهة والضحك وردا على فشل مشروع المنازل المنخفضة التكاليف الذي سبق طرحه من قبل الحكومة، أضاف الشايب: (على الحكومة أن تبحث عن كيفية إنجاح المشروع، مثلا أن تسمح للقطاع الخاص ببيع أسماء الشوارع حتى يحقق الربح المطلوب، وأنا أول من سيشتري).
الشاهد من قصة الشايب، أن قليلا من التفكير والإرادة والرغبة والابتعاد عن مبدأ التنفيع وشبهة الواسطة والتشكيك، قد يساهم في حل المشكلة!
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.