يشير العديد من الخبراء الى انه بامكان اي شخص في موقع قيادي ان يبني ثقافة المحاسبة والمساءلة لمجموعته أو فريقه، لكن عندما يكون هذا الشخص على رأس الهرم تكون النتائج مؤثرة وفاعلة بشكل كبير وعلى نطاق واسع جدا، ولتوضيح الصورة اكثر يمكننا ضرب مثال بالرئيس السابق لشركة ألكون للمنتجات الدوائية، والذي خلال عهده ارتفعت مبيعات الشركة من 36 مليون دولار الى 2 مليار دولار، فلقد كان ايد شولماير يقوم بتقييم ادائه سنويا باستخدام نماذج التقييم نفسها التي يستخدمها الموظفون لتقييم ادائهم بأنفسهم، ثم يرسلها لنوابه ليقوموا بعد ذلك بارسالها لمساعديهم وحتى تصل لكل موظف بالشركة عن طريق رئيسه المباشر. ولكن الاهم من ذلك انه كان عادة يضع لنفسه تقديرا متوسطا (جيدا) إلا في السنوات التي تكون فيها المبيعات عالية جدا جدا، وهدفه من كل ذلك هو اظهار جديته في محاسبة نفسه قبل غيره وحتى يقوم نوابه ومساعدوهم وجميع موظفي الشركة بمحاسبة انفسهم بالجدية نفسها.
فلنفترض فرضا ان رئيس الوزراء قام بتعبئة نموذج لتقييم ادائه كرئيس حكومة سنويا وفي ظل استمرار انحدار مستوى الخدمات العامة كالتعليم والصحة وصعوبة الحصول على سكن، ومن منطلق المحاسبة والمساءلة للنفس سنتوقع مستوى اقل بكثير من متوسط. وفي هذه الحال هل سيستمر الوزراء بالظهور كملائكة امام موظفيهم في حال قاموا بنشر نماذج تقييمهم لأدائهم بأنفسهم او عند الظهور امام وسائل الإعلام، وفي حال افترضنا ايضا ان رئيس مجلس الامة قام بتعبئة النموذج نفسه سنويا كرئيس سلطة تشريعية، فهل سيستمر النواب بالظهور بصورة المنقذين المخلصين أمام الشعب عند نشر نماذج تقييمهم لأدائهم بأنفسهم، فبمحاسبة ومساءلة أنفسنا كقادة قبل غيرها نبني ثقافة المحاسبة والمساءلة ونرتقي بمستوى الأداء بشكل عام.
قد يكون ما سبق اقرب للمثالية منه للواقعية، ولكن نستطيع وبمساعدة جهات استشارية عالمية تحديد الصفات والقدرات المطلوبة لشغل أي وظيفة قيادية ثم الاعتماد على الجهات نفسها لاجراء اختبارات لتحديد من هو مناسب لشغل هذه الوظيفة بناء على نتائج تلك الاختبارات، وحتى اذا كان لابد من الاستمرار بالعمل على مبدأ المحاصصة في اختيار من يصلح لشغل المناصب القيادية فلا يوجد ما يمنع من وضع اجتياز هذه الاختبارات كشرط لأي ممثل فئة أو طائفة لتولي أي منصب قيادي.
وفي حال كانت الاختبارات صعبة التطبيق، فربما من الأفضل الاستعانة بالجهات الاستشارية العالمية ليس فقط لاعداد الدراسات ووضع الخطط والتوصيات، ولكن للاشراف على تطبيقها وعلى تقييم اداء المسؤولين ولمدى غير قصير ايضا، أي استبدال المستشارين الموجودين في الوزارات والجهات الحكومية باستشاريين عالميين وبعقود طويلة الأجل حتى يكون العمل اكثر جدية، فالاستمرار بالاعتماد على مستشارين عملوا في حكومات دول عربية لم تحقق نجاحات أو تقدم يذكر خلال السنوات الماضية غالبا لن يكون مناسبا للمستقبل، كما ان هناك حاجة لتقييم أداء المسؤولين من جهات عالمية مستقلة للتجهيز لبناء ثقافة المحاسبة والمساءلة بالمستقبل.
وفي حال كانت هناك صعوبة في تطبيق كل ما سبق، ربما يمكننا الاعتماد على التصنيفات العالمية كبديل لما تقوم بتصنيفه محليا وبشكل عشوائي او حسب الرغبة او الحاجة السياسية، اي الاعفاء التام من المساءلة والمحاسبة، وخير مثال على ذلك هو التصنيف المحلي للجامعات الاجنبية والاعتراف بالجامعات والكليات الاجنبية بشكل غريب وغير مجدٍ، وفي ظل وجود عدة منظمات عالمية معتمدة في هذا الشأن (3 منظمات رئيسية). فلو قمنا بالاعتراف بالجامعات التي يكون تصنيفها أعلى من جامعات الكويت مثلا حسب التصنيفات العالمية، لحققنا الهدف المطلوب من الدراسة بالخارج ولما واجهتنا مشكلة الشهادات الجامعية المضروبة.
محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
rammohammad@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق