أشار المسؤولون في مجلس الأمة الى انهم أجروا استطلاعاً لرأي المواطنين للتعرف على الأولويات من القضايا وتأكيدهم أن قضية الاسكان تأتي في المرتبة الأولى، لا شك ان هذه القضية باتت مهمة، خصوصا اذا علمنا ان هناك ما يزيد على الــ105 الاف طلب للاسكان لدى الهيئة العامة للاسكان، وان تلبية المتطلبات تستلزم انتظارا قد لا يقل عن عشرين عاماً، هناك عجز واضح في الاداء التنفيذي لدى الهيئة العامة للاسكان ناتج عن أوضاع بيروقراطية ومالية ومحدودة المساحات المتاحة لاقامة المسكن عليها، ناهيك عن مشكلات اخرى موضوعية وذاتية، واذا كانت قضية الاسكان ذات أهمية للمواطنين فإن هناك قضايا اخرى لا تقل اهمية، مثل التعليم والرعاية الصحية وأوضاع البنية التحتية وعجز المرافق الحيوية مثل الكهرباء والمياه والطرق، ناهيك عن الازدحامات المرورية وغيرها، بيد ان هذه المعضلات ما هي الا نتاج للانماط الادارية والاقتصادية التي اعتمدتها الدولة منذ بداية عصر النفط من دون تغيير هيكلي يذكر، ان فلسفة الرعاية والرفاه التي اعتمدتها الكويت لا بد ان تكون لها استحقاقاتها واختناقاتها.. بعد ان كان عدد سكان الكويت لا يزيد على 250000 نسمة في منتصف القرن العشرين، عام 1957 بموجب اول تعداد عام للسكان، منهم ما يقارب 120000 كويتي منهم 1.3 مليون كويتي، اذا لا بد ان المسؤوليات قد ازدادت والتكاليف اضحت كبيرة، صحيح ان الامكانات المالية لدى الدولة قد تحسنت، ايضا بفعل ارتفاع النفط وزيادة مستوى الإنتاج، الا ان القدرات الإدارية لدى الأجهزة الحكومية ظلت متواضعة بفعل الانظمة التقليدية المتبعة، كما ان القطاع الخاص ظل مهمشاً ولم يحفز للمساهمة في تولي مهام في مجالات اقتصادية عديدة.
ان من المؤكد ان الكثير من المواطنين يشكون من هذا العجز الحكومي في تأدية المسؤوليات التي تضطلع بها الدولة، ويذكر بعضهم ان الاموال التي تتوافر لدى حكومة الكويت يجب ان تساعد على مواجهة متطلبات هذه المسؤوليات، صحيح ان الأموال مهمة لتنفيذ المشاريع وبرامج التنمية، ومنها مثلاً مشاريع الاسكان، لكن الأموال لا تكفي دون توافر الأدوات الإدارية والتنفيذية.
من جانب آخر، لا يعقل ان تقوم الدولة بتحمل هذه المسؤوليات من دون توظيف امكانات القطاع الخاص والاستفادة من قدراته الإدارية وتعزيز مشاركته في تحمل اعباء الاسكان والرعاية الصحية، وتنفيذ ادارة المرافق واعمال البنية التحتية على اسس متطورة. ايضا اذا كان من المهم توفير الرعاية السكنية للمواطنين وتقديم الخدمات الارتكازية لهم، فإن هناك بدائل اقتصادية قد تكون أكثر كفاءة وجدوى وتؤدي الى توظيف الموارد الاقتصادية المتنوعة بشكل افضل. وإذا كانت قضية الاسكان من الأولويات فلابد من البحث عن أساليب جديدة مبنية على فلسفة اقتصادية مختلفة تؤدي في نهاية المطاف الى توفير سكن لكل عائلة كويتية بتكاليف معقولة ومقدور عليها، هنا يجب ترشيد الاحتياجات والمتطلبات الاسكانية التي تؤدي الى السيطرة على التكاليف المتعلقة بالبنية التحتية والمرافق والاستغلال الأمثل للأراضي التي تعتبر من أهم عناصر ارتفاع تكاليف السكن في الكويت، مهما يكن من أمر فإن القضايا المشار إليها قد تكون من الأولويات لدى المواطنين، ولكن يبقى ضرورياً التفكير بسياسات مختلفة وآليات وأدوات اخرى لمواجهة استحقاقاتها.
عامر ذياب التميمي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق