حذر سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح اثناء لقائه بعدد من الطلبة الكويتيين الدارسين في امريكا من تصديق الاشاعات، قائلا «ان ضرر الاشاعات كبير على مصلحة الوطن الذي عانى منها، وبسببها تأخرت الكثير من المشاريع التنموية». داعيا الطلبة الى «تحصين انفسهم وعدم الالتفات لها أو ترديدها، فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار».
لا احد يختلف مع سمو رئيس مجلس الوزراء ان الاشاعات سم قاتل ووباء اذا انتشر يفتك بجسد المجتمع وللاسف ان مجتمعنا، مجتمع اذن، محب للقيل والقال ونقل الاخبار والاقاويل من دون تمحيص أو تدقيق من مصدرها أو اذا ما كانت تتفق مع العقل والمنطق أو خارج سياق العقل والمنطق وما ذلك الا لكون الناس عندنا غالبا يعانون الفراغ الفكري والتسطيح الثقافي والترف ومساحة كبيرة من الوقف يستهلكونها في الهذرة والمناكفات و«سمعنا جذي» و«قالوا جذي» و«قالوا جذاك»..!!
ولعلي اتصور ان الحذر في وسط مجتمع محدود العدد، وهم الطلبة الدارسون، غير كاف، بل يفترض ان يوسع الحذر حتى يشمل كافة صفوف المجتمع. وهذا ما ينبغي ان يتولاه الاعلام ولا سيما الاعلام الرسمي الذي للاسف دوره غائب في هذا المجال مثلما هو غائب في مجالات اجتماعية وثقافية محلية كثيرة، كذلك الامر يفترض ان تقوده المراكز والمنتديات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والمدرسة والمسجد.. الخ.
ومع ذلك، فإذا اتفقنا مع سمو رئيس مجلس الوزراء عن مضار الاشاعات، الا اننا لا نتفق انها (أي الاشاعات) هي السبب في تأخر أو توقف المشاريع التنموية، فتوقف وتأخر المشاريع من مسؤوليات الحكومة وتتحمله الحكومة، فإذا كانت الحكومة على افتراض انها واثقة من مشاريعها وخططها وسياساتها، واذا كانت الجهات المنوط بها تنفيذ تلك الارادات، فما علتها حتى تنكمش ويصيبها الخوف فتوقف اعمالها اذا سمعت اشاعة انطلقت من هنا أو من هناك..؟!!
لعل المسؤولية هنا مسؤولية الحكومة ومسؤولية جهازها التنفيذي والتخطيطي، اولا واخرا.
فأي حكومة في العالم تدافع حتى الرمق الاخير عن برامجها وسياساتها ومشاريعها وخططها الآنية والمستقبلية. الا حكومتنا الرشيدة، فنفسها قصير وخلقها ضيق ومستعدة ان تضحي بمشاريعها من ان تسمع نقدا أو رأيا مخالفا وهذا دليل على انها (الحكومة) لا تملك السلاح الفعال للدفاع عن سياساتها، فهل تريد من الناس ان يغمضوا عيونهم ويحبسوا ألسنتهم حتى ترضى عنهم وحتى تستمر هي السير بأعمالها..!!
ولعلنا وجدنا اخيرا كيف ادارت ادارة الرئيس اوباما معركة الميزانية الاتحادية التي انفجرت بين الديموقراطيين والجمهوريين، والتي تسببت بتوقف العمل في الكثير من الاجهزة الاتحادية وتسريح الموظفين.. نحن لا نريد ولا نطالب حكومتنا ان تصل مع المعارضين لسياساتها الى حد السيف، لكننا نتساءل: هل لحكومتنا قدرة خوض معارك سياسية صلبة دون التنازل ودون منح وعود تحت الطاولة لموالاة نائب من هذا الطرف أو نائب من ذاك الطرف..؟!!
في بلد ديموقراطي يتمتع مواطنوها بحرية التعبير عن الرأي وفي ظل مجلس امة يصارع نوابه على الشعبوية، فمن الطبيعي ان تتصاعد الاصوات وتتصارع الآراء ويكون التصويب على الحكومة، كذلك لن تستطيع الحكومة سد حنفية الاشاعات فذلك امر مستحيل، الا انها تستطيع وهنا المحك ان تدافع عن سياساتها ومشاريعها وخططها الى الرمق الاخير اذا كانت واثقة هي من اعمالها واستندت على الحقائق والارقام عند ذاك لن يكون هناك مكان للاشاعات، فالاشاعات تنهزم امام الحقائق.
غير ان مصيبة حكومتنا ان تغرق في شبر ماء..!!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق