تعاني أغلب مدن العالم أزمات مرور خانقة, ولعل السبب العام المشترك في تلك الأزمات يعود في بعضه إلى المساحة المحدودة المستغلة من الأرض مع زيادة مطردة في عدد السكان ومستخدمي الطرق والسيارات والمركبات بكل أنواعها، في ظل طفرة صناعية عالمية أدت إلى أن اقتناء سيارة ليس بالمعضلة الكبيرة.
وقد استطاعت بعض الدول مواجهة أزمة المرور بإقامة الجسور متعددة الأدوار، وحفر الأنفاق، وتوسعة الطرق، وسن القوانين المنظمة للمرور، والتشدد في إصدار تصاريح القيادة، والصرامة في مواجهة المستهترين.
في الكويت الغالية تعاني شوارعنا أزمة مرور خانقة وازدحاماً غير معقول مع عدم تحرك أي جهة لمواجهة ذلك، أو حتى محاولة إيجاد الحلول الناجعة لها على الرغم من أن تلك الأزمة تلامس حياتنا, ولعل ما زاد أزمة المرور تعقيداً أزمة الأخلاق التي يعانيها البعض, فماذا عسانا نقول عن المستهترين الذين نراهم يتلوون بسياراتهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كأنهم أفاعٍ تنفث سمومها القاتلة على مساحة الطريق؟
وماذا عن ذلك الذي يسير على حارة الأمان بسرعة هائلة، مثيراً الغبار والحصى ومتجاوزا الجميع ليعبر عن عدم احترامه لنفسه قبل غيره من مستخدمي الطريق؟ ثم نرى ذلك الذي يلتصق بالسيارة التي أمامه حتى لا يترك مجالاً للحركة ليذكرنا بالشاعر بشارة الخوري عندما يقول: “لو مر سيف بيننا… لم نعلم هل أجرى دمي أم دمك”.
أما استخدام الهاتف النقال لإرسال واستقبال الرسائل النصية، فقد أصبح ظاهرة على جانب كبير من الخطورة يستلزم مواجهتها، خاصة أن هناك قانوناً يحظر استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة، إذن ما الذي يمنع تطبيقه؟
ولعل من المناظر المؤذية ذلك الذي يفتح نافذة السيارة ليرمي بكل قوته بأكياس القمامة ومخلفات الأكل والشرب وغيرها، والأخطر أنه يطلب من أطفاله القيام بذلك، فأي أدب واحترام وأخلاق يعلمهم ويغرسه في أذهانهم، وكم نشعر بالألم عندما نرى بعض الشباب وهم يسيرون بسياراتهم ببطء مع تبادل الحديث فيما بينهم بطريقة فيها الكثير من الاستخفاف بمستخدمي الطريق.
وغير ذلك الكثير من السلوكيات اللا أخلاقية، فقد استمرأ البعض الاستخفاف بالقوانين، فلم تعد تردعهم, وهنا يطرح التساؤل: من المسؤول عن مواجهة “الأزمة الأخلاقية”، السلطة التنفيذية أم التشريعية, المدرسة أم البيت, جمعيات النفع العام أم الجمعيات الدينية؟ وفي اعتقادي أنه إذا لم يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه فلا يمكن لأي من تلك الجهات القيام بذلك. إذن هل نترك أرواحنا وأرواح أحبائنا رهينة بيد حفنة من المستهترين ممن لا يقدرون هبة الخالق ونعمة الحياة؟ ولماذا لا يتم اتخاذ بعض القرارات والتشدد في فرض القوانين وعدم الاكتفاء بالغرامات المالية، بل يجب أن يتعداه إلى سحب رخصة القيادة والسيارة لمدة شهر على الأقل، وعدم قبول أي “واسطة” وخاصة من الإخوة أعضاء مجلس الأمة؟ وأنا على يقين من حرصهم على إصلاح المجتمع والحفاظ على أرواح الجميع, وأقول من القلب أعانك الله أخي الكريم اللواء عبدالفتاح العلي على حمل هذه الأمانة التي ليست بالهينة.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
دعوة للتفكير:
على مساحة عالمنا العربي يدور قتال ومعارك طاحنة، فالكل ضد الكل, وضاع الحكم على من هو على حق ومن هو على باطل, وهذه المعارك تحتاج إلى أسلحة وأسلحة مضادة، وطريقة توفيرها ومصادرها معروفة لمن يدفع ويتم بها حصد الأرواح, ونهب المليارات من الأموال التي تضمن استمرار مصانع السلاح في الدول المصنعة له، وتدخل إيراداتها مكوناً أساسياً في ميزانياتها, ومجالاً لخلق الملايين من فرص العمل لمواطنيها, والسؤال: لو حلّ السلام في عالمنا العربي بأسره، وتوقفت هذه المعارك فهل ستتوقف هذه المصانع ولو جزئياً؟ إنها دعوة للتفكير.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق