لكل من اتهمني بعدم الصدق والموضوعية في مقالي السابق الذي انتقدت فيه النائب مسلم البراك لتناقض تصريحاته واتهامه خصومه السياسيين دون أدلة مقنعة، مستندا إلى ما يصله من أخبار غير موثوقة سرعان ما يتبين خطؤها، أقول إن النائب الفاضل شخصية عامة ومؤثرة بشكل فاعل في الحياة السياسية في الكويت، ويتخذه كثير من الشباب قدوة لهم، ولذلك تسلط الأضواء على آرائه ومواقفه بشكل مكثف في الإعلام بين مؤيد ومعارض لها، وشخصيا سبق لي مرات عدة أن أثنيت على كثير من مواقفه في مقالات سابقة، ولما وجدت أنه أخطأ في تصريحاته الأخيرة التي شابها التسرع والتناقض رأيت من واجبي أن أنتقده كما أثنيت عليه من قبل مرارا، وأنا في ذلك أبحث عن الحق وليس لي غرض سوى المصلحة العامة، فليس لي عداء شخصي مع مسلم أو مع غيره، إنما أرى الحق في جانب فأثني عليه وأرى الباطل في جانب فأشير إليه، وليس لي بحمد الله تقديس لأحد، فالكل في نظري يخطئ ويصيب، وليس من سياسي مهما بلغ من النزاهة وسلامة المقصد وحسن النية والحصافة في القول والفعل أن يكون مصيبا دوما، فلابد للعثرات والزلات أن تظهر في يوم ما، ينطبق ذلك على مسلم البراك كما ينطبق على غيره من المؤيدين والرافضين لأسلوبه وطريقته ومنهجه.
على أي حال، ما على المتشككين بسلامة نيتي سوى الذهاب إلى موقع اليوتيوب والبحث عن مقطع بعنوان “من أمر بالضرب يا مسلم البراك؟”، ومقطع آخر بعنوان “مسلم البراك وهاني حسين قبل وبعد الوزارة”، ليتيقنوا أنني ما كتبت مقالي السابق بدافع الكراهية أو الحقد إنما رأيت مادة تستحق التعليق عليها ونقد ما جاء فيها، وهو ما فعلته في مقالي السابق لا أقل ولا أكثر!
***
“رموز الفساد”… “الحكومة الخفية”… “القبيضة”… “المتنفذين” ومصطلحات أخرى دأب بعض النواب على ذكرها مرارا حتى مللناها، وفي رأيي الشخصي أن قائلها غير متيقن مما يقول، وخائف من تبعات المساءلة القانونية إن صرح بأسماء من يقصدهم بها، والأمر يجرنا إلى أسباب ذكر هذه الكلمات في كل التجمعات واللقاءات الجماهيرية، والحق أني لا أرى سوى التكسب الانتخابي على حساب العدل والإنصاف، وتقديم ذمم الناس وأعراضهم ثمنا بخسا لها، فالمنطق يقول إن المرء لو كان واثقا ومتيقنا يحمل الدليل والبرهان بين يديه على ادعاءاته لما اكتفى بالرمزية، ولصرّح بأسماء من يعتبرهم رموزا للفساد، وأعضاءً للحكومة الخفية، ونوابا قبيضة ومتنفذين، لكن للأسف ما هي إلا مصطلحات ابتدعها البعض، وصارت مطية له ليسمع كلما نطقها الهتافات والتصفيق المدوي من جماهير لديها نزعة غريبة في تقبل أي اتهام يحط من قدر الغير، ويطعن في ذمته وعرضه، هكذا بكل أريحية وسهولة!
***
برأيي أن الأساس في احترام القضاء هو تنفيذ أحكامه بالدرجة الأولى، أما الاعتراض قولا بأن الحكم غير منصف أو عادل وبشكل خاص إن أتى من قبل المتخصصين في القضاء، ومن لهم باع طويل فيه فلا أراه أكثر من رأي يعبر به صاحبه عن رؤيته، ولا يحط من قدر القضاء في شيء، فكثير من أحكام القضاء جانبها الصواب، فهي أولا وأخيرا اجتهاد بشري قاصر لا يرقى إلى الكمال.
ولو كان ما قام به بعض النواب لا يتعدى النقد العلمي لحكم المحكمة الدستورية لما اعترض أحد على قولهم أبدا، لكن كثيرا منهم راح يهمز ويلمز بأن الحكم كان تنفيذا لإرادة حكومية، رابطاً الوضع السياسي بتوقيت الحكم، وهو ما يعد طعنا في ذمم القضاة، وأنهم مسيرون لا مخيرون، وهو ادعاء لا يسنده دليل وتحريض غير مبرر ستكون له تبعات كبيرة على جيل من الناشئة يستمعون إلى هؤلاء النواب، ويتعلمون منهم النظرة المتشككة للجهاز القضائي النزيه الذي كثيرا ما أنصف هؤلاء النواب، وكان لهم سندا وعونا ضد من يزعمون أنه يتحكم بالجهاز القضائي، ويسيطر على أحكامه!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق