قبل المتن: برحيل جاسم القطامي وعبدالمحسن الدويسان فقدت الكويت رجلين صنعا جزءاً من تاريخها الحديث، فكانت فاجعة الرحيل متوافقة مع فاجعة تدهور الحال السياسية بين زمانهما وزماننا، فتعقلهما وحلمهما بمواجهة انقلاب السلطة على الدستور لا يقارنان بما يثار اليوم بعد حكم المحكمة الدستورية بإبطال مرسوم حل مجلس 2009، فشتّان بين زمن كانا رجليه وزمن نعيشه الآن.
***
في نهاية ندوة “الكويت إلى أين” التي عقدت بديوان محمد الصقر مساء أمس الأول، صار واضحا أن هناك فرزاً في قوى المعارضة بين معسكرين: الأول يقوده نواب قوى المعارضة برعاية كتلة العمل الشعبي، والثاني يقوده التحالف الوطني برعاية النائب السابق محمد الصقر.
الأهم في تغير المعادلة السياسية أنها أعادت التيار الوطني إلى واجهة المعارضة بقيادة التحالف الوطني بعدما تراجع عن “خطيئة” المشاركة في معركة العمل الشعبي التي دفعت إلى إقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد الأخيرة وحل مجلس 2009، بسبب قضيتي الإيداعات والتحويلات الخارجية، أكدت ما نبهنا إليه رفاق التيار الوطني من خطورة الانجرار لمعركة “الشعبي” الهادفة إلى الإطاحة بالشيخ ناصر المحمد، والدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة وسط ظروف استثنائية لأنهم سيكونون الخاسر الأكبر، وأن المسألة لن تكون محصورة بمجرد فقدان مقاعد بالبرلمان، إنما ستؤثر في طبيعة الطرح المجتمعي والخطاب السياسي اللذين ستتخندق خلفهما الفئوية والعنصرية، وسيفرزان مجلسا متطرفا في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً وسط زخم الربيع العربي، وسيكون الإسلاميون أكثر المستفدين منه، إلا أن الانتقادات الحادة والتجييش الشعبي وتعبئة الشارع خلقت موجة جرفت معها حتى أعقل الأطراف الفاعلة داخل التيار الوطني، فانتهينا بمهرجان جمعية الخريجين في نوفمبر العام الماضي، الذي أطلقت فيه “خمس رصاصات وطنية” على حكومة الشيخ ناصر المحمد، وما تلاها من أحداث أكدت صحة ما نبهنا إليه وقتها.
أقول ما سبق لأن رفاق التحالف انتبهوا لخطيئتهم وعادوا عنها، بعدما مرت عليهم صفقة رئاسة مجلس الأمة مقابل تعديل المادة الثانية من الدستور، وارتفاع حدة لغة الإقصاء ومن يقول لنواب الأقلية المنسحبين من الجلسة “سكروا الباب وراكم”، وإقرار قوانين الإعدام والمدن الطبية وجامعة جابر على حساب قوانين مكافحة الفساد وإقرار الذمة المالية، فانصدم الرفاق من الواقع الجديد وأحسوا بفداحة جرمهم، وعادوا لمواقعهم القتالية السابقة بعدما خاضوا حربا بالوكالة مع أطراف استغلتهم كذخيرة في معركتها ثم تخلت عنهم لاقتسام الغنائم، فعادوا يوم أمس الأول ليعقدوا ندوة تضم أطياف المعارضة الجديدة، والتي عادت لمواجهة خصميها، السلطة والتيار الديني، فاستعادوا موقعهم السابق بكونهم المعارضة السياسية العاقلة التي تتعاطى مع الوقائع، ولا تبني قراراتها على فرضيات وضرب بالغيب ومحاسبة نوايا.
معركتنا اليوم، ليست تعديل الدستور بقدر الحفاظ على المكتسبات الدستورية، لأن أي تعديل سينقض على النظام الديمقراطي، ومن يرد تكريس ثقافة المنتصر فلن يقبل بالتراجع، والشواهد كثيرة على عدم ديمقراطية نواب الأغلبية المُنتفية، لأنهم يريدون الأمور على هواهم، فرأيناهم يهاجمون الحكومة وهم من سعى إلى المشاركة فيها، وعاهدوا الشباب على إقرار قوانين مكافحة الفساد فلم يقروا حتى تقاريرها باللجنة التشريعية، ثم اتهموا نواب الأقلية بإضاعة وقت المجلس وهم من أقصاهم، ولم يقدموا مقترحاً واحدا للتعامل مع حكم تعويض شركة “الداوكيميكال”، وبعد انكشافهم أمام الشارع عادوا وتبنوا فكرة تعديلات دستورية، ثم هاجموا المحكمة الدستورية بعد إبطالها مرسوم حل مجلس 2009، وبدأ ينسلّ منهم نواب أكبر تنظيمين سياسيين مشاركين، وهما الحركة الدستورية الإسلامية والتجمع السلفي، احتجاجا على ما أثير خلال تجمع ساحة الإرادة الأخير، ورفضت القبائل بالدائرتين الرابعة والخامسة مشروعهم بطرح قوائم تضم نواب الأغلبية المُنتفية تحت شعار عائدون، ثم عادوا وطرحوا قائمتين من سبعة مرشحين بالدائرة الثالثة تفيد المعطيات أنها لن تصمد حتى صدور مرسوم حل مجلس الأمة نهاية الشهر الجاري وفقا للتوقعات.
والسؤال المستحق بعد قرابة سنة من بداية التحركات الشبابية المطالبة بالإصلاحات السياسية: هل يعقل أن جميع الأطراف على خطأ ونواب الأغلبية المُنتفية وحدهم على صواب؟
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق