نشرت جريدة القبس في عددها يوم الأحد الماضي خبرا حول التقرير الصادر عن البنك الدولي بخصوص مؤشرات الحوكمة في الدول المتقدمة والناشئة حول العالم عن العام 2013. وتتضمن مقاييس الحوكمة معايير مختلفة كالسيطرة على الفساد وتعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة ومدى فاعلية الأجهزة الحكومية ودرجة إنتاجها وجودة التشريعات وسيطرة القانون. ولعله من المؤسف حقا أن تشهد المؤشرات المتعلقة بالكويت تراجعا حادا، إلا أن ذلك يعطي إنعكاسا واضحا لمدى تردي الأداء الحكومي وضعف الإنتاج وتراجع مكانة الكويت في مختلف مناحي الحياة.
كيف للدولة أن تتقدم وتحقق خططها التنموية الطموحة التي ما زالت حبرا على ورق؟ ومؤشرات التقرير تشير إلى ان مبدأ المساءلة والمحاسبة يشهد تراجعا منذ عام 2002 حتى عامنا هذا. وكيف يمكن للمحاسبة أن تتحقق؟ طالما غاب مبدأ الثواب والعقاب في تقييم أداء الموظفين وبالتالي مكافأة المجتهد على انجازه والمهمل على سوء أدائه، وطالما أيضا كانت الترقيات والزيادات وحتى التعيينات تعتمد على مبدأ الواسطة والمحسوبية.
لم يكن مستغربا كذلك أن تتراجع مؤشرات فعالية الحكومة في تحقيق أهدافها ومشاريعها وفي جودة التشريعات الصادرة التي أضحت بعضها حبيسة الأدراج بلا فاعلية كقانون تشجيع الاستثمار الأجنبي وقانون الخصخصة وقانون البناء والتشغيل والتحويل والمتعلق بتفعيل مشاركة القطاع الخاص في تطوير المشاريع الحكومية وغيرها من القوانين.
كيف لمشاريعنا أن تنجز في الوقت المناسب وبالجودة المطلوبة وضمن الميزانية المقدرة؟ وكيف للمواطنين أن يشعروا بمبدأ العدل والمساواة؟ وكيف للمال العام أن يحفظ وفقا لما نص عليه الدستور؟ طالما كانت مؤشرات السيطرة على الفساد تتراجع بشكل مخيف وفقا لما أشار إليه التقرير وهو أمر في واقع الأمر نتلمسه بلا مجاملة.
استذكرت أخيرا حديثا جرى مع أحد الشخصيات الاقتصادية المعروفة حول مشاركته في إحدى الدورات التدريبية التي تنظمها جامعة هارفارد الأميركية. يقول انه خلال مناقشتنا لاحدى المشاريع الإفتراضية لتغطية الجزء العملي في الدورة، كنت رئيسا للحلقة النقاشية وإجتهادا مني بدأت بشرح المشروع الإفتراضي قائلا، أن هناك فسادا في جميع الدول إلا أن درجة الفساد تختلف من بلد إلى آخر، وعلينا أن نكيف أنفسنا للعيش والتعايش في مثل هذا الوضع. يستطرد قائلا، انني وما ان أكملت هذه الجملة إلا ووجدت شخصا من إحدى الدول الأوروبية يقول، أرجو أن تتنبه لحديثك، فنحن في بلد لا نسمح أن يعيش بيننا فاسد واحد ونعمل ما بوسعنا لنقضي على كل درجات الفساد بلا استثناء. اختتم حديثه بالقول، لم يكن أمامي سوى الاعتذار بعد أن احمر وجهي، فمع الأسف، بدأت ثقافة الفساد تتغلغل وتنتشر بيننا حتى أضحت واقعا مخيفا نعيشه ونتعايش معه كل يوم.
*
أصدرت هيئة أسواق المال في شهر يونيو الماضي قرارا بشأن قواعد حوكمة الشركات الخاضعة لرقابتها وفرضت تطبيقه بحد أقصى نهاية السنة المقبلة. تضمن القرار قواعد عدة كاحترام حقوق المساهمين وتعزيز وتحسين الأداء والإفصاح والشفافية وتعزيز السلوك المهني وضمان النزاهة المالية وغيرها. ولعل القارئ للقرار يدرك أنه وعلى المدى البعيد، ستكون هذه القواعد هي الضابط الرئيس لحماية حقوق المساهمين وتحقيق أهداف الحوكمة الرشيدة. كم أتمنى أن يطلع صاحب القرار على هذا القرار ويدرك ما فيه وأن يطبق كذلك على الأجهزة الحكومية على أن يكيف وبما يتناسب مع عمل القطاع العام لعل وعسى أن نتمكن من تحسين المؤشرات المذكورة لعلها تجدي نفعا في تحقيق ما نصبو إليه.
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق