المفترض أننا من اكثر شعوب العالم ثقافة وعلما ومعرفة بحياة الشعوب والافراد والامم، وذلك لكثرة اسفارنا الى جميع أصقاع العالم.
لدي الكثير من الاصدقاء والاقارب الذين يترددون على العاصمة البريطانية عشرات المرات طيلة السنوات الخمسين الماضية. حين تسألهم عن معالم لندن: متاحفها، مكتباتها، مسارحها، أدبائها، ملاعبها، ريفها الجميل، منتجاتها، نظامها السياسي، وضع البرلمان، تداول السلطة بين حزب العمال والمحافظين.. تجد معلوماتهم صفراً على الشمال! فلم أسمع في حياتي من حاول دخول مسرحية او زار بيتاً من بيوت مشاهير انكلترا، وعرف عن انتاجهم الادبي هناك: شكسبير، تشارلز دكنز، اوسكار وايلد، اجاثا كريستي، اميلي برونت (مؤلفة مرتفعات وذرينغ) او من حاول ان يعرف شيئا عن حياة او كفاح جي كي رولنغ (مؤلفة هاري بوتر).
انهم محصورون في شارع اوكسفورد، واجور رود، وهارلي ستريت، ونايتسبريدج، وبيز ووتر، والهايد بارك، ومحلات هارودز وكازينوهات لندن من الراندفو شمالا الى فكتوريا جنوبا، ولا تتعدى اهتماماتهم التسكع في الاسواق ومزاولة عاداتهم كأنهم في الكويت، فلا يغيرون حياتهم الغذائية، فهم يتقاطرون إلى الأغور رود لتناول سندويش شاورما او الفلافل والفول او المطاعم الهندية لاكل البرياني والدال. حتى المطاعم الانكليزية قد غيرت المنيو، وأخذت تقدم وجبات خليجية، مثل السلفريجدز وغير ذلك.
المحزن ان احد الاخوة، وقد قدم حديثا من لندن ذكر لي انه ذهب الى كازينو الراندفو لتناول وجبة العشاء والتفرج على اللاعبين، وقبل دخوله الى الكازينو أقبل موكب من ثلاث سيارات مرسيدس تتبعها سيارتان رينج روفر، ونزل منها احد اعضاء مجلس الامة، تصحبه شقراء فارعة الطول، ويتبعه ستة اشخاص دخلوا الكازينو. النائب يلعب وكأنه مليونير، وصديقي واقف مشدوه، يتساءل: من أين لهذا الشخص هذه الكمية من الاموال؟! فأبوه حديث عهد بالبلاد. سأل صديقي احد الذين يترددون على الكازينو. فقال: هذا – أي النائب – له ما يقرب من اسبوعين على هذه الحالة! دارت بي الافكار، كيف لهذه الامة ان تنهض اذا كانت النخبة المميزة والمنتخبة من الناس هذه تصرفاتها؟ هل نرجو خيراً من ورائها؟ ومن اعطاه هذه الاموال بعد ان كانت حالته القضى، كما يقولون؟ ولماذا نعطي الغرب انطباعا باننا اناس غير رشيدين ولا نستحق الثروة التي نزلت علينا، ولماذا لا نستفيد من هذه الرحلات؟ فالعاصمة البريطانية ليست مقتصرة على الهايد بارك او الاسواق او الملاهي او المطاعم فقط! فلماذا لا يكون كل واحد فينا سفيراً لبلاده بالخارج؟.. أسئلة تحتاج الى اجوبة.
* * *
لقد كان إنساناً بمعنى الكلمة، متواضعا، كريما.. رحم الله الأخ الفاضل مصطفى بودي، وأسكنه فسيح جناته.
د. صلاح عبداللطيف العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق