عبداللطيف الدعيج: لنحتكم لقانون القوانين

لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية قضت في تطور ملحوظ لاحكامنا القضائية بجدية الطعن الدستوري في المادة 25 من قانون امن الدولة، والتي وقع ضحية لها الكثير من المغردين والنشطين سياسيا في الفترة الاخيرة. المحكمة خلصت في حيثيات حكمها – كما نشر – الى ان هناك شبهات حول دستورية المادة مما دفع بها إلى الحكم باحالتها الى المحكمة الدستورية.

هذه المرة الثانية، حسب علمي، التي يتخذ فيها القضاء موقفا معارضا لدستورية احد القوانين قبل احالته الى المحكمة الدستورية. قبلها انتقد القاضي جمال العنزي في حيثيات حكم دعوى بعض النساء ضد وزارة الداخلية لرفضها تسجيلهن في القيد الانتخابي – قبل اقرار حق التصويت للمواطنات- انتقد موقف الوزارة ووصفه بغير الدستوري، لكنه احال الامر الى المحكمة الدستورية للبت فيه.

هذه مواقف مشرفة ومسؤولة لبعض قضاتنا، سؤالي هنا لماذا لا يقضي القاضي بعدم دستورية المادة طالما انه مقتنع بذلك، ويصدر حكمه النهائي وفقا لقناعته الخاصة والمباشرة في الموضوع؟ لماذا الاحالة الى المحكمة الدستورية طالما ان القاضي مقتنع ومطمئن، كما يبدو، من حيثيات الحكم وامر الاحالة الى عدم دستورية القانون او المادة موضع النزاع؟

قد يعترض البعض على هذا الادعاء بحكم ان المحكمة الدستورية هي المختصة وحدها بتحديد دستورية او عدم دستورية القوانين وفقا للمادة 173 من الدستور. هذا صحيح تماما.. لكن الصحيح ايضا، ان القاضي يحكم وفقا للقانون وتبعا لما يمليه عليه ضميره، وليس المتعصبون والامعات من متخلفي السلطة التنفيذية او التشريعية. والدستور كما جاء في المذكرة التفسيرية هو قانون القوانين. لهذا فان القاضي ملزم بان يلتزم بالقانون الاكبر، وان يطمئن لعدم تعارض احكامه هو وهذا القانون. وهنا اذا كان هناك خلاف حول دستورية او عدم دستورية حكمه فان المتضرر يملك الحق في الطعن في عدم دستورية الحكم لدى المحكمة الدستورية نفسها.

القصد..ان مشرعينا ممن يحكمون ويتحكمون في خلق الله وفي القوانين التي تحدد سلوكهم، دأبوا على التشريع وفقا لعقائدهم بل وأهوائهم. وغالبا ما تكون هذه العقائد او الاهواء مخالفة لروح ونصوص الدستور. وبما انه من الصعب على المواطن العادي اللجوء المباشر الى المحكمة الدستورية، والاصعب من ذلك ايضا هو اقناع مشرعينا بضرورة الالتزام بالدستور وبالمبادئ الديموقراطية، فاننا لا نجد غير القضاء العادل ملاذا ورائدا نعوّل عليه في تطوير وتصحيح نظامنا الديموقراطي.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.