على الرغم مما قيل عن الحفلات الغنائية التي اقيمت تحت رعاية وزارة الاعلام بمناسبة عيد الاضحى المبارك من انها «باهتة» فإنني اعتبرها خطوة جريئة وجيدة مطلوب تشجيعها.
فالجمهور الكويتي محروم من الفرح منذ اكثر من ثلاثين سنة، هذه السنوات العجاف التي فرضت على الجمهور الكويتي ان يقضيها بالنكد والحزن والكآبة والاحباط كانت كافية لكي ندرك ان مجتمعنا قد تحول الى مجتمع متشنج حاد المزاج غاضب غير متسامح ميّال للعنف بعدما كان مجتمعا مسالما متسامحا ودودا.
ولعلنا لا نريد هنا ان نذكر الاسباب، فالاسباب كلنا نعرفها وغير خافية حتى على الطفل الرضيع، فيكفي هنا الاشارة الى خنوع الدولة وخضوعها لضغوط الرجعية الدينية والرياح الصفراء التي هبت علينا فأحالت دولتنا الى ما يشبه مجلس عزاء لا دولة تتنوع بها المشارب والاتجاهات، وجلّ ناسها من اهلها ومن الوافدين محبون للفرح مقبلون على الحياة كارهون للنكد، فيما اغتنمت البلدان المجاورة الوضع فصارت بديلا للكويتيين، حيث اجواء الفرح وتهيئة كل وسائل وامكانات الرفاهية والترويح والترفيه، وبذلك فقد انتعشت عندهم حركة التجارة وازدهرت الاسواق وقفزت اعداد الفنادق وتنوعت وسائل النقل تلبية لحاجات الزوار.
ربما هناك شبه اجماع على ان البلد مغلق وأن وسائل الترفيه والترويح محدودة أو منعدمة وخاصة ما يتعلق واحتياجات الشباب، فالفرح مُصادر والضحك ممنوع لذلك نخال أي مبادرة نمت عن الفرح والابتهاج ينبغي تشجيعها ودعمها وتحديدا من وسائل الاعلام التي تعد الضلع الرئيسي والاهم على تدعيم هذه الفعاليات، فإذا صح قرار وزارة الاعلام جعل الحفلات منهاجا اسبوعيا بعد نجاح حفلات العيد فبذلك تكون الوزارة قد دشنت مرحلة جديدة وهي مرحلة خلع السواد وارتداء ثياب الابتهاج والفرح. فلقد ولى الحزن والنكد والكآبة عن سماء الكويت. فالكويت تستاهل.
واذا كان الشكر يقدم بهذه المناسبة، فلا هناك من استحق الشكر غير وزير الاعلام، رجل الرماية الشيخ الشاب سلمان الحمود السالم الصباح، الذي يعمل بصمت ومثابرة واقتدار، على الرغم من حمله حقيبتين تعدان من اهم ومن اخطر الحقائب الوزارية في هذا الزمن الراهن وهما الإعلام والشباب. فلذلك اذا قلت ان وزير الاعلام يستاهل ان يصنع له تمثال من الذهب، فذلك ليس نفاقا أو تملقا، فلا انا ارجو منه شيئا، ولا هو بحاجة للتملق والنفاق، ولكن حقيقة الامر ان قرار الحفلات الاسبوعية قد اظهر جرأة غابت عن وزارة الاعلام منذ رحيل المرحوم الشيخ جابر العلي عن الاعلام.
ان اشاعة اجواء الثقافة والفن في البلاد ليست ترفا زائدا كما يخاله البعض، انما ضرورة من ضرورات الحياة اليومية التي يحتاج اليها المرء في سعيه على رزقه، كذلك اشاعة لروح التفاؤل والثقة وتشجيع للابداع وتمكين للطاقات الفنية والابداعية للانطلاق.
ان الكويت التي كانت رائدة في مجالات الثقافة والابداع عليها ان تحافظ على تلك المكانة على الرغم مما يطالها من ضغوط الظلاميين واندساس الحاقدين والحاسدين، فالحفلات الغنائية الممنهجة لئن كانت تلبية لمناسبة طارئة، لكننا نأمل ان تكون باكورة لعمل منهجي ثقافي وفني على مدار العام، كذلك تحفيزا للشباب من الجنسين وتشجيعا للمبدعين وتحفيزا للمنسيين من الفنانين والفنانات للعودة الى الميدان، كذلك استكمال المرافق الناقصة كالمسارح وصالات العروض والمراكز الثقافية وغيرها من الادوات.
والحديث عن الثقافة والفن يجرنا للحديث عن التعيينات الاخيرة للاعضاء الجدد في المجلس الوطني للثقافة والفنون، فعلى الرغم من تقديرنا للمكانة الثقافية والتأهيلية التي يتمتع بها الاعضاء الجدد فإن اللافت ان بعضهم محسوب على تيارات المحافظين والحزبيين كالاخوان المسلمين وجناحهم السياسي (حدس) فهل جاءت الاختيارات كما هي العادة على اعتبارات الترضية والمحاصصة والتكتيك السياسي، ام خارج تلك الحسبة..؟!!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق