الحكومة عندما خافت من الشباب غازلتهم.. وبعدما خَفَتَ وهج الربيع العربي واكتشف الناس حقيقته.. أدارت الحكومة ظهرها للجميع وبدأت تهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور وان الضرائب قادمة والرسوم سترفع والخدمات ستكون مكلفة.. وإلا فإن «الفَلَس» قادم إليكم يركض ركضاً.
الشباب يريدون أن يعملوا.. ولكن الحكومة متخمة وهي عبارة عن كتلة من الروتين القاتل لأي إنسان طموح يريد أن ينتهج الكفاءة أسلوباً للوصول.. بينما الحكومة تحوّلت الى بوابة للقفز السريع إلى الأمام فقط لمن يعرف كيف يلعب على حبال القانون والفئوية والقبلية والطائفية.
بالتالي.. ليس أمام الشباب الطموحين إلا المشروعات الصغيرة التي يمكن لكل شاب أن يؤسسها ويعمل بها ويحقق ذاته بعيداً عن مذلة التوظيف وآليات الترقي الحكومية.
لكن الشاب يحتاج قبل بدء العمل الخاص الى الخوض في سلسلة من الإجراءات المعقدة والروتين الذي لا ينتهي تفرضه تلك الدورة المستندية العبقرية المستوحاة من أدمغة طولية تحمل آذاناً طويلة.
على الشاب أن يضع الفكرة ويبحث عن شكل ملائم لترخيصها ثم يبدأ إجراءات مع البلدية والإطفاء والشؤون والداخلية والمواصلات وربما جهات أخرى من الجهات الرسمية في الدولة مثل الصحة والإعلام وهيئة الصناعة ووزارة المالية وغيرها وذلك حسب طبيعة النشاط وارتباطاته.
على الشاب أن يدفع «خلو» المحل أو المصنع أو الأرض أو الورشة التي يحتاجها وأن يبدأ دفع الإيجارات وجلب المعدات اللازمة لكي يتمكن من استخراج الترخيص.
بعدها – هو وحظه – ربما يوافقون له على المكان أو لا يوافقون، وإذا وافقوا.. أمامه ستة شهور الى تسعة شهور من الإجراءات والمعاملات.. و«كتابنا وكتابكم».. و«مندوبنا ومندوبكم».. و«قرارنا وقراركم».. حتى يتسلم تراخيصه ثم يبدأ الترخيص لعمالته.. و«انطر لين يجيك الربيع».
أسمع من بعض الشباب المحبطين من الواقع والروتين أن المطعم على سبيل المثال يجب أن تُعلق على حوائطه نحو 8 أو 9 تراخيص حكومية رسمية مبروزة – ولا أعلم لماذا يجب تعليقها مع أنه يمكن الاكتفاء بتعليق ترخيص واحد فيه البيانات الأساسية التي قد يحتاج المستهلك للتعرف عليها لحفظ حقوقه، والباقي يفترض أن يُحفظ لاطلاع موظفي الدولة إذا «باغتوا» المكان.. وطلبوا الاطلاع على هذه التراخيص. أصلاً لا أعلم لماذا يحتاج المرء الى كل هذه التراخيص ولماذا لا تنشأ جهة واحدة تتولى المسؤولية كاملة مع صاحب العمل، وهي التي تتعامل مع باقي الجهات الحكومية؟
أليست الحكومة واحدة، وعندكم حكومة الكترونية؟
هذه الإجراءات والتعقيدات والمغامرات المالية كلها تكبل الشباب وتقتل طموحهم وتجعل رؤوسهم المملوءة بالحماس والأفكار ترتطم بجدران من الكونكريت لا يمكن لهم أن يخترقوها. ولهذا تحول الكثيرون منهم الى ممارسة الأعمال والمشاريع المنزلية غير المرخصة ويقومون بتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هرباً من الروتين والبلاوي التي تشملها الدورة المستندية التي لا تنتهي.
أضف الى ذلك، ما تفرضه قوانين العمل المنحازة أصلاً الى العاملين ضد أرباب الأعمال وكأنهم مشروع مجرمين يجب أن نحفظ رقاب المساكين العاملين لديهم من أنيابهم التي تتحيّن الفرصة لنهشها وشرب دمائهم!! «شدعوه».
ثم أجيبونا.. هل اطلع المسؤولون على قوانين العمل التي فرضوها؟.. هل قارنوها بدول أخرى من محيطنا؟ وهل هي مطبقة لدى الغير؟ ثم.. هل المسؤول الذي مثّل الكويت أصلاً في المؤتمرات الدولية التي خفنا منها وعدّلنا قوانيننا لأجلها مؤهل أصلاً و«فاهم شغله»؟! هل حضر المسؤول حقاً الاجتماعات؟! أم اكتفى بالسياحة والتسوق في جنيف حيث تعقد مثل هذه المؤتمرات.. ثم يقوم بتنفيذ ما سطره له (سعادة الخبير الوافد) الذي رافقه وحضر الاجتماعات بديلاً عنه؟
عزيزتي الحكومة، هناك حقائق يجب أن تعرفيها.. وهي مستوحاة من برنامج عملكم:
< أنتم أكبر عائق يهدد استمرار دولة الرفاه الحالية.
< أنتم أكبر عائق يمنع تحوّل المجتمع من مستهلك لمقدرات الوطن الى منتج للثروة.
< أنتم أكبر عائق أمام تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار.
< أنتم أكبر عائق أمام تعزيز روح المواطنة المسؤولة والانتماء.
< أنتم أكبر عائق يواجه الإصلاح واقران الكلام بالعمل على تحقيقه.
< باختصار.. أنتم أكبر عائق يواجه برنامج عملكم الذي قدمتموه بأنفسكم.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق