صالح الشايجي: “جمال” الفوضى الخلاّقة

«الفوضى الخلاقة» التي نعيش في ظلالها منذ ما يزيد على عقد من الزمن، وكانت العراق ومصر وسورية وتونس واليمن وليبيا مركزها،هي في اعتقادي ليست بنت الألفية الثالثة ولم تولد في القرن الحادي والعشرين، بل أرى أنّ ولادتها سبقت ذلك التاريخ بما يزيد على نصف قرن من الزمان!
أعيد ذلك التاريخ إلى ولادة «اسرائيل» في أواخر أربعينيات القرن العشرين، فوجود إسرائيل في منطقة مستقرة ومتجانسة عرقيا ودينيا وتاريخيا، لا يكفل لها البقاء المريح ولا الاستقرار السياسي الذي يتيح لها بناء دولة عصرية مستقرة.

وكان ذلك يقتضي زعزعة البلدان العربية المستقرة سياسيا نوعا ما، فابتدأت فكرة الإنقلابات العسكرية وإيجاد شرخ في جدار الاستقرار السياسي وبالذات في دول الطوق العربي المحيط بإسرائيل، فابتدأت تلك الانقلابات في سورية، وعرفنا حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وما تبع ذلك من تداعيات ضعضعت الكيان السوري حتى اليوم.

تلك ربما تصلح لأن تكون مجرد مقدمة لما أتى بعد ذلك، والذي أحدّده بالإنقلاب المصري العسكري عام 1952 بقيادة اللواء محمد نجيب وزمرة من صغار ضباط الجيش المصري على رأسهم ضابط شاب اسمه جمال عبدالناصر، والذي كانت له أجندة مخالفة تماما لما أراده «نجيب» وبعض الضباط من وراء القيام بالإنقلاب.

مصر الملكية المتقدمة والغنية والمستقرة، كانت تشكل أكبر خطر على إسرائيل، ليس في وجودها الجغرافي، بل بوجودها كدولة متقدمة ناهضة ديموقراطية، وما كان بوسع اسرائيل أن تنهض وهي الصغيرة الناشئة بوجود دولة كمصر مجاورة لها، فكان لابد من تفتيت مصر وتفكيك مفاصلها كدولة مكتملة الأركان تقترب من الدول المتقدمة وتأخذ بأسباب الدولة الحديثة.

وابتدأ مشروع الفوضى الخلاقة الذي ولد في سورية ينضج في مصر على يد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي ابتدأت مصر على يديه السير في طريق التخلف والرجعية والفوضى والتفكك، بعدما انتزع الحكم من محمد نجيب وأودعه المعتقل وبدأ السير بطريقة الحكم الفردي المستبد.

ولم يكن مشروع الفوضى الخلاقة الذي تكفل به عبدالناصر خاصا بمصر، بل لابد من تسييله ليعم دولا أخرى، فكانت العراق الملكية واليمن الإمامية وليبيا الملكية ومحاولات أخرى هنا وهناك استهدف فيها عبدالناصر تقويض حكمها وفشلت كالأردن.

katebkom@gmail.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.