الرفاه أو بالأحرى الإنفاق الريعي الذي اعتمدته السلطة منذ تدفق النفط، لم يعد هو الإنفاق الريعي الذي بشّر أو حذّر من انتهائه رئيس الحكومة. فسياسة الإنفاق الريعي ودوافعها اختلفت في هذه الأيام عن بدايات الإنفاق الأولى.
تدفق الثروة النفطية وضع في يد الدولة أموالا في ذلك الوقت اكثر من طائلة. ورغم انها استثمرت – على الفور – القسم الأكبر منها في الارتقاء بالبنية التحتية البدائية للدولة، فإن الفائض بعد كل هذا كان كبيرا، وكان كثيرا.
لهذا «اضطر» المؤسسون الأوائل – حكاما ومحكومين – او اختاروا ان يلجؤوا إلى سياسة الإنفاق الريعي، لتعميم خير وفوائد الطفرة النفطية والدخل الوطني المتنامي. وهكذا لجأت الحكومات في ذلك الوقت الى «التفنن» في ايجاد الوسائل والبدائل، لتعميم واقتسام الثروة ونشر الرفاهية الحقيقية بين المواطنين. وكل ذلك بهدف تعميم الخير ورد ما للمواطن للمواطن. طبعاً لم تخلُ تلك الفترة، وحتى ما أعقبها، من اختلالات او سوء توزيع للثروة، وحتى اقتسام غير عادل لها.. لكن «كثرة الخير» أو كثرة الطحين، لم تترك فرصة لأحد أن يتذمّر.
سياسة الإنفاق الريعي أو «تدليل» المواطنين في ذلك الوقت لم تكن بالسياسة الجيدة. لكن اضطرت الحكومات الى اتباعها في ذلك الوقت بسبب الوفرة المالية وبدائية المجتمع، ورغبة حقيقية في تعميم الرفاه وسعة العيش بين المواطنين. هكذا كانت بداية سياسة الإنفاق الريعي، أو دولة الرفاه. عفوية.. واستجابة لمتطلبات النمو أولاً، وسعياً إلى توزيع الثروة ثانياً. لكن هذه السياسة انحرفت في النهاية حين أصبح همُّ الحكومات كسب الولاء السياسي للناس، وشراء ولائهم وانتمائهم للسياسات غير الديموقراطية التي انحازت لها. وهكذا تحولت سياسة الإنفاق الريعي من رد فعل طبيعي لتوافر الثروة، ورغبة أصيلة لدى الرعيل الأول للارتقاء بمعيشة المواطنين، إلى سلاح في يد الحكومة تستخدمه لدحر المعارضين لها، أو لفرض سياساتها غير الشعبية وغير الديموقراطية.
وهكذا مع الأسف، تحولت سياسة الرفاه والارتقاء بمستوى معيشة الناس إلى تنفيع وإلى شراء للضمائر، وفي النهاية أصبحت وبالاً على المجتمع، ضيّع الفرد الكويتي واستلب إنسانيته. وشكراً لرئيس الحكومة الذي بشّرنا بقرب نهاية هذه السياسة.. السؤال يبقى: هل ستنتهي بمجملها، أم بالجانب السلبي منها؟
عبد اللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق