حكم القانون هو الغائب الكبير عن دول الشرق الأوسط، فالكاتب بورزو دراغاهي في “فايننشال تايمز” (عدد 31 أكتوبر) ينقل لنا هذه الصورة القاتمة عن خرافة استقلال القضاء، وسيادة حكم القانون في دول الشرق الأوسط، فمن مناطق صغيرة في المغرب، إلى مصر، ثم إلى معظم الدول العربية يذكر الكاتب عدة حوادث عن مهزلة غياب حكم القانون.
امرأة مطلقة في مدينة مغربية حكم لها القاضي بأقل من 5% مما تستحق من نفقة العدة والمتعة وأجرة الحضانة، لأن القاضي يعرف أن طليقها ذو مكانة عالية في جهاز الشرطة، ويضرب الكاتب أمثلة عدة غيرها، ففي مصر التي يحاكم بها اليوم مرسي في محاكمة سياسية، بينما للمفارقة التاريخية هو الرئيس المخلوع ذاته الذي عزل المدعي العام، وحاول تحصين قراراته من سلطة القضاء قبل عام، في محاولته لإصلاح السلطة القضائية، محاولة لم تكتمل حسب رأي الكاتب، يخبرنا هذا الأخير ويصف قذارة المباني التي تجرى فيها المحاكمات بصورة عامة، وينقل شكاوى محامين عدة، أحدهم يشكو أن الحراس يرفضون إحضار السجناء للمحاكمة في الموعد المقرر حتى يقبضوا “المقسوم” من المحامي، وأتصور أن أكثر من محام أيضاً يشكو في مصر وغير مصر من مثل حالات الفساد هذه، كأن يتراخى مندوبو الإعلان عن القيام بواجباتهم في المواعيد ما لم “تكيش” جيوبهم مقدماً، وقضايا غيرها يمكن تصورها تحكي لنا عن فساد السلطة الثالثة في دول الشرق الأوسط.
هل هناك صحيح سلطة قضائية مستقلة لا تتأثر بالحاكم السياسي للبلاد، كما تنطق معظم دساتير دول الشرق الأوسط العربية؟ الإجابة بالنفي، فتلك السلطة عادة يتم استتباعها للحكومة أو السلطة التنفيذية (لاحظوا أن كلمة حكومة في الولايات المتحدة تعني السلطات الثلاث)، وينقل عن نيثان براون مؤلف كتاب دساتير من ورق أن القضاة لا يملكون سلطة اعمال حكم القانون، فهم تابعون بحكم الواقع للجهاز التنفيذي بالدولة يأتمرون بأوامر الحكام أو أصحاب السلطة من النافذين، وعندها يصبح الحياد المفترض في تطبيق حكم القانون غائباً تماماً عن عوالمنا المستبدة.
يكرر الكثيرون عبارة رئيس الوزراء البريطاني وبطل الحرب الثانية تشرشل، حين شكا إليه البعض رداءة الوضع في بريطانيا، فكان رده، كما ينسبون إليه، “انه ما دام القضاء والتعليم بخير فليس هناك ما يخشى منه على بريطانيا”. لا يمكن أن نتصور أن يكون رد تشرشل بغير ذلك، فقد كان يدير أعرق بلد بالحكم الديمقراطي، ولولا هذا “التراث” الديمقراطي المتجذر في بريطانيا، الذي يعني أول ما يعني مساءلة الحكام، لما تصورنا أن يكون القضاء البريطاني بخير، فاستقلال القضاء وسلطانه ينبعان من قوة التقاليد الديمقراطية في أي بلد.
في دول الاستبداد المتخلفة، لا يمكن الحديث عن استقلال القضاء، مهما تم حشو الدساتير بنصوص مستوردة من بيئات ديمقراطية، فتراث دولنا يطلق كلمة “الحاكم” على كل صاحب سلطان دون تفرقة بين الحاكم السياسي والحاكم القضائي، والواقع المعيش يختلف تماماً عن النصوص الورقية، فالحاكم في تراثنا هو من يحكم في السياسة وفي القضاء معاً. ففيه “الخصام وهو الخصم والحكم”، فأي عدالة نتحدث عنها؟ وأي حكم قانون نتشدق به؟!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق