خالد الجنفاوي: أفكار العقل المتناقض تناقض أفعاله

يتصرف بعض الأشخاص بشكل يتناقض مع ما يفكرون به أو ما يقولونه بألسنتهم. فترى أحد هؤلاء المتناقضين بطبيعتهم ينصح الآخرين ويحاول تلقينهم ما يعتقد أنها السلوكيات والتصرفات الايجابية والأخلاق الحميدة, ولكنه في الوقت نفسه يناقض نفسه. فبعض من يدعو قرناءه للعمل والانتاجية تلاحظه اكثرهم كسلاً وأقل الناس التزاماً بأداء واجباته ومسؤولياته الوظيفية. وتجد آخر ينصح أقرباءه وأصدقاءه ومن يعرفهم بالتسامح والمرونة وقبول التعددية ولكن يعرف عنه الناس أنه أكثرهم نفوراً مما هو مختلف عنه, بل وأكثرهم شوفينية أحياناً. يطلق العلماء المتخصصون على التناقض الذهني والسلوكي Dissonance. وهو يشير إلى وجود تنافر فعلي وملموس بين ما يفكر فيه العقل وبين ما يطلقه اللسان من كلمات وعبارات إيجابية وبناءة, وبين ما تتم ممارسته من تصرفات تتناقض وتتنافر وبشكل صارخ أحياناً مع ما هو مفترض أن يحدث.
على سبيل المثال, من يدعي التقوى ويأتي بتصرفات تناقض الورع والالتزام الأخلاقي يعاني من التناقض الفكري والأخلاقي. ومن يدعي التسامح وهو أكثر الناس كرهاً للتعددية العرقية والدينية والمذهبية والثقافية في بيئته المحلية, إنسان تناقض أفكاره وأقواله أفعاله. ومن يدعي حرصه على النظام وعيش حياة مدنية وديمقراطية منظمة, بينما يحاول قدر ما يستطيع إفشال أي محاولة لتكريس المساواة والعدالة الاجتماعية في مجتمعه شخص متناقض. ومن يطلق الشعارات الرنانة حول ضرورة تكريس تكافؤ الفرص في المجتمع هو أكثر من يمارس المحسوبية والمحاباة والتنفيع والشللية ويعاني من التناقض الذهني والسلوكي.
لم أجد وصفاً دقيقاً للتناقض الذهني والسلوكي سوى كون هذا النوع من العقليات البشرية مختلة الموازين. وما هو مختل هو بشكل أو بآخر معطل أي لا ينفع معه سوى الغربلة الذهنية الكاملة. فحين يدرك الإنسان السوي تناقض بعض أفكاره مع ما يأتيه من تصرفات متنافرة حري به العمل على تغيير مواقفه الشخصية مباشرة.
ولا أعتقد أنني أبالغ في هذا المقام إذا جادلت أن “العقل المتناقض” بإرادته الشخصية هو عقل يرهب مواجهة واقعه المرير ويحاول فقط الهروب من مواجهة التحديات اليومية. ولكن يصعب أيضاً تخيل “الهروب” من مواجهة الواقع اليومي كحل عملي لأي مشكلة يواجهها الفرد في حياته اليومية.
نتمنى على القراء الاعزاء الدعاء لوالدتنا بالشفاء, فهي ترقد حالياً في مستشفى الجهراء بين آلام شديدة, وبين توسلاتنا الدامعة لشفائها.
* كاتب كويتي

khaledaljenfawi@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.