عبدالمحسن حمادة: لأي مشروع فتنة يروجون؟

منذ صدور حكم المحكمة الدستورية، بدأت الحكومة تدرس الخطوات اللازمة لتنفذ الحكم، وكان المفروض أن يكون أعضاء المجلس هم الأكثر حرصاً على تنفيذ الحكم. إذ ستترتب على استمرار مجلس تحوم حوله شبهات دستورية أمور خطيرة، من أهمها عدم دستورية القوانين والقرارات التي تصدر عنه، وحتمية الطعن فيها أمام المحاكم، مما سيؤدي إلى وجود فوضى عارمة. لذا، نرى أن الحكومة اتبعت خطوات سليمة لمعالجة الأزمة، مثل استدعاء رئيس مجلس 2009، والتشاور معه، مع توضيح أن الأسباب التي استدعت حل مجلس 2009 ما زالت قائمة، ثم استقالة الحكومة، ثم تكليف رئيس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة، ونفي ما سرب عنه بأنه لن يقسم اليمين أمام مجلس 2009، فقد يترتب على ذلك شبهة دستورية جديدة. لذا، نرجو من الحكومة أن تأخذ رأي قضاة المحكمة الدستورية وخبراء القانون، خصوصاً د. محمد المقاطع، في الإجراءات التي يجب اتباعها لكي لا تكرر الخطأ مرة أخرى.

وأشاد كثيرون بحكم المحكمة الدستورية، واعتبروه حكماً تاريخياً، لانتصارها لسيادة القانون وعدم مجاملتها للسلطة، ولإبطالها مراسيم سيادية لمخالفتها الأطر القانونية، وشذ عن ذلك أغلبية مجلس 2012. فمنذ صدور الحكم، وهي في حالة ثورة وغليان. تعقد الندوات وتدعو الشعب إلى التحرك ضد الحكومة، وتطالب ببطلان حكم المحكمة الدستورية، وتصفه بأنه مؤامرة وتكرار لتطاول نهج السلطة على الأمة، وانقلاب على الدستور، وتشكك بنزاهة القضاء. ويهددون إذا أصبحوا أغلبية بإصدار قوانين للسيطرة على القضاء، خصوصاً المحكمة الدستورية. وقد بدأوا مشروعهم في السيطرة على القضاء قبل حل المجلس، عندما أعلنوا أن اللجنة التشريعية في المجلس المبطل قد انتهت من مشاريع قوانين تتعلق بالقضاء. وحذَّر الرئيس الأعلى للقضاء من خطورة محاولات المجلس التدخل بشأن القضاء، وسيكون يوماً أسود في تاريخنا إذا تمكنوا من السلطة القضائية التي يحتكم إليها الناس، كما دمروا السلطة التشريعية، وأدخلوا الفوضى في السلطة التنفيذية، وتدخلوا في كثير من اختصاصاتها.

ويستدل من تصرفاتهم أثناء سيطرتهم على لجان التحقيق البرلمانية، أنهم لا يقيمون للعدالة وزناً، جل ما يهمهم الانتقام والتشفي من الخصوم والتشهير بهم عبر وسائل الإعلام، وإلصاق التهم بهم من دون أدلة. ولما طلبت المحكمة من أحدهم الإتيان بالأدلة التي ادعى أنها تحت يديه وتدين سمو رئيس الوزراء بأنه استخدم أموال التحويلات لرشوة النواب، طلب إمهاله أسبوعين، ولما استدعته المحكمة بعد انقضاء المدة، قال إنه ليست لديه أدلة وحفظت القضية. رجع إلى المجلس ليشهِّر بالمحكمة، ويهدد بإصدار قوانين لإلغائها. وقالوا إن حكم المحكمة لا يعنيهم، وأن لجانهم ستستمر، وأصدروا قوانين لتحويل لجانهم إلى لجان قضائية تدين وتعاقب من يحققون معه، مخالفين الأعراف البرلمانية، للانتقام من رئيس الوزراء ومن لا يخضع لسيطرتهم، متناسين أن الحكم بين الناس يقوم به قضاة تعلموا وتدربوا على أن يحكموا بين الناس بالعدالة والنزاهة والحياد. وإذا كان بين أحد القضاة وأحد المحتكمين خصومة تنازل لقاض آخر، لا يحكمون إلا بالأدلة، ومن يتهم الناس من دون أدلة، فهو شاهد زور، وشهادة الزور محرمة ديناً ومجرمة قانوناً.

ويستدل من تاريخهم النيابي أنهم اتخذوا قرارات ضارة بالدولة لتحقيق مكاسب شخصية، كإصرارهم على تبني مشاريع مالية كارثية ضارة بمستقبل الدولة ومستقبل الأجيال القادمة تتعارض بشكل واضح مع نتائج الدراسات التي أجراها خبراء المال والاقتصاد، ضغطوا على الحكومة لإلغاء مشروع الداو وترتب على ذلك خسارة الدولة عشرة مليارات دولار، كما قال بعض الخبراء. ويضغطون لإلغاء مشروع كهرباء الزور، وأوقفوا مشروع استثمار نفط الشمال. وأسقطوا وزراء متميزين كالشمالي والرجيب من دون وجه حق، لمجرد أنهم أصبحوا أكثرية، وبالتالي يحق لهم أن يفعلوا ما يشاؤون في الدولة من دون مراعاة لقيم الديموقراطية. وأسوأ ما نسمع ونقرأ في ملتقياتهم تلك اللغة الهابطة الممتلئة بالإهانات يوجهونها إلى بعض أبناء الأسرة ومن يختلف معهم في الرأي من رجالات الكويت. ونرى جمهوراً يهلل ويصفق لذلك الكلام الذي يدل على قلة الأدب والحياء، فهذه أمور لم نعرفها في مجتمعنا، بل هي مستوردة.

د. عبدالمحسن حمادة

D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.