محمد المقاطع: الرئاسة الشعبية وعدم دستورية الصوتين

في مقالتي السابقة أشرت إلى أن تفتيت الأصوات في كل دائرة بالنسبة للناخب ليعطي 4 أصوات بدلا من 10 يعتبر انتقاصا من الحق الانتخابي يترتب عليه عدم دستورية القانون وإمكانية الطعن فيه أمام القضاء، وقد يؤدي إلى إلغاء الانتخابات برمتها، وأشرت أيضا الى ان ما يتم تداوله من اقتراح لتعديل القدرة الانتخابية لتصبح صوتين بدلا من 4 هو الآخر اقتراح غير دستوري، لذا فإن الأخذ به مع إغفال هذه الحقيقة يعني الدخول في مقامرة مؤكدة تؤدي الى إلغاء الانتخابات المقبلة إذا طعن بها استنادا لهذا الانتقاص، واستغرب أن يتم التداول في الأوساط الحكومية وبعض الدوائر المقربة منها للتعاطي مع إصلاح النظام الانتخابي بقصره على قدرة الناخب التصويتية من خلال تقليصها بصوتين او صوت واحد وهو تصور فضلا عن عدم دستوريته لا يؤدي الى الإصلاح إطلاقا، بل يعزز حالة الفساد في نظام الدوائر الانتخابية التي بدأت في ظل الـ 25 دائرة وما زالت قائمة في ظل الدوائر الخمس، وهو ما يعني أن إقدام الحكومة على تبني هذا التوجه لا يعكس رغبة في الإصلاح، بل انه يؤدي الى تفتيت المجتمع وتفكيكه الى فئات ومجاميع على أساس غير وطني سواء كان قبليا او طائفيا او مناطقيا او فئوياً فضلا عن سماح هذا التوجه باستمرار عيوب الدوائر الحالية والسابقة في شأن نقل الأصوات وشرائها والارتباط بالنائب لأسس شخصية يغلب عليها طابع الخدمات والفزعة وليس على أساس النهج أو البرنامج او الفكر.

ولي عودة في مقال لاحق لأعرض فيه نظام الدوائر الانتخابية، الذي يخرج البلاد من دوامتها محققا لمبادئ العدالة والمساواة ومبدأ تمثيل النائب للأمة وممارسة الحق الانتخابي كاملا غير منقوص، ولا يفوتني أن أنوه هنا الى أن هناك من يتناول هذا الموضوع من دون أن يفقه أبعاده الدستورية والقانونية والفلسفية، وهو من غير المختصين وما اكثرهم بحثا عن الشهرة بكل أسف.

أما على صعيد الطرح الذي يتناوله البعض بشأن ما يسمى بالإمارة الدستورية فهو للأسف طرح سطحي، إذ ان النظام الدستوري الحالي في الكويت يقوم في جوهره على فكرة الملكيات الدستورية (أي الإمارة الدستورية)، ومن ثم فإن من يندفع مطالبا بالتحول إلى نظام الإمارة الدستورية في الكويت لاشك أنه يجهل مفهوم الإمارة الدستورية ومعناها، لكنه يتشدق بها ظنا منه أنه يأتي بجديد أو على أقل تقدير لا يعدو أن يكون صدى لما يردده البعض.

وللعلم فإن من يراجع كتاباتي العديدة في المؤلفات والكتب أو في المقالات المنشورة في القبس يدرك تماما أن رئاسة الوزراء الشعبية هي من الركائز التي بني عليها النظام الدستوري الكويتي لكونه يبعد الأسرة عن تولي رئاسة الوزراء بحكم المادة 56 من الدستور جنبا إلى جنب مع ما ورد في المذكرة التفسيرية، باعتبار أن ذلك من صميم النظام البرلماني الذي أخذ به الدستور الكويتي والهادف إلى حفظ مكانة الأسرة وإبعادها عن التجريح السياسي بإسناد رئاسة الوزراء إلى غير أبنائها، ولاشك في أن ما تم في المراحل السابقة من تولي رئاسة الوزراء من أحد أبناء الأسرة الحاكمة كان مرحلة ضمن المراحل الانتقالية الطبيعية للنظام الدستوري الكويتي في انتقاله الى الحكومة البرلمانية الخالصة التي تكون رئاستها شعبية، هذا رأينا الدستوري منذ زمن ولا يزال.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.