صلاح العتيقي: حكم العسكر

بعد مقتل الرئيس أنور السادات ظهر الى السطح الكثير من الممارسات التي كان يزاولها الرؤساء ابان حكم عبدالناصر والسادات، وبالعودة الى التاريخ الحديث، فإن الحكم العسكري الذي ساد في هذه الفترة اتسم بجميع الممارسات الدكتاتورية التي يزاولها الضباط، فلا يوجد برلمان يحاسب او صحافة تنتقد، بل شعب يهتف وبرلمان يصفق وصحافة تشيد وأعلام تخفق ومنظمو مواكب، هذا الجو لابد ان يفرز تصرفات مضحكة في بعض الاحيان ومبكية في كثير منه، من هذه الحكايات التي كانت تتداول وقرأتها في وقتها وما ازال اذكرها حكاية الشيخ محمود منصور.

كانت الإذاعة المصرية، واظنها لا تزال تذيع اذان الفجر، وتعقبه تلاوة من آيات الذكر الحكيم، على الهواء مباشرة من احد المساجد، يتناوب عليها مقرؤون مشاهير، صادف في ذلك اليوم زيارة الرئيس الاسرائيلي مناحيم بيغن الى مصر، بعد توقيع معاهدة السلام مع السادات، كان الدور في قراءة القرآن على الشيخ محمود حسين منصور ــ وهو بالمناسبة استاذ وقور ذو صوت جميل وصاحب دم خفيف وشجاعة لا متناهية ـ ابتدأ القراءة بالآية الكريمة «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا»، تنبه المخرج في الإذاعة والمذيع إلى المقلب والكارثة اللتين ستقعان اذا استمر الشيخ في ترديد هذه الآية عشية زيارة الرئيس الاسرائيلي، أخذ المذيع يردد بصوت منخفض بلاش دي يا عم محمود عديها يا شيخ محمود! وتظاهر الشيخ محمود بعدم سماع توسلات المذيع، وأخذ يرددها عدة مرات وسط تعليقات الحضور: الله الله.. لعنة الله على اليهود!

انتهت صلاة الفجر، وحين خروج الشيخ محمود من مسجد السيدة زينب وجد سيارة المباحث بانتظاره، فأخذته الى أمن الدولة واحتجزته من الفجر إلى المساء، دخل الضابط إلى الحجز وجلس على كرسي مقابل الشيخ محمود.

ـ الضابط: يا شيخ محمود ماسمعتش الرئيس السادات وهو ينادي بالسلام؟

ـ الشيخ محمود: طبعاً سمعت.. هو حد يقدر ما يسمعش الريس؟

ـ الضابط: يعني الرئيس بينادي بالسلام وانت تقول ان اليهود أشد عداوة؟!

ـ الشيخ: هو أنا اللي بقول كده؟

ـ الضابط: أنا عارف ان ربنا هو اللي قال كده!

ـ الشيخ: ولما انته عارف ان ربنا هو اللي قال كده.. أمال جايبني ليه؟

ـ الضابط: يعني ما كنتش تقدر تعديها؟

ـ الشيخ: اعديها ليه؟ ما تشيلوها من المصحف أحسن!

ـ الضابط: انته دماغك ناشفة!

يرن جرس التلفون ويرفع الضابط السماعة: ايوه يا فندم! هو قدامي يا فندم! حاضر يا فندم! يضع السماعة ليقول: على العموم يا شيخ انت حتبقى تحت نظرنا ومش حتفلت مننا.. اتفضل روح!

خرج الشيخ محمود ومعه قرار حرمانه من القراءة في الإذاعة والتلفزيون.

د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.