خالد الجنفاوي: النخبويون تُرْعِبُهم الديمقراطية

لا توجد نخبوية في الديمقراطية الحقيقية, فكل المواطنين سواسية أمام القانون وأمام صندوق الاقتراع. فالنخبوية تشير إلى سلوك أناني حيث تعزل مجموعة عرقية أو طبقية أو فكرية نفسها عن بقية الشعب. فيعتقد النخبويون أنهم أفضل كثيراً من مواطنيهم العاديين, فثرواتهم الشخصية وأملاكهم وقوتهم التأثيرية في الساحة السياسية تعطيهم الانطباع أنهم مختلفون عن البقية. وبالطبع, النخبوية Elitismتتضايق كثيراً من تكرس الديمقراطية الحقيقية في المجتمع لأنها تهدد مميزاتها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية. بل يصعب على الفرد العادي تصديق أن النخبوي سيطالب بتطبيق الديمقراطية الحقيقية في المجتمع, فكيف يطالب أحدهم بحفر قبره بيديه, أو هكذا يعتقد بعض النخبويين المتطرفين! فثمة بعض النخبويين من يعتقدون بل يؤمنون أنهم أرقى مدنياً واجتماعيا وأنهم أذكى من بقية المواطنين, ولذلك فهم يصرون على الحفاظ على ما يعتقدون أنها مميزاتهم وحقوقهم التاريخية.
في المجتمعات المتقدمة تتم محاربة النخبوية لأنها تهدد السلم المجتمعي وترتبط بشكل كبير بالفساد بكل أشكاله وأنواعه. فيحرص الديمقراطيون الغربيون على إضفاء المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص على مجتمعاتهم لأنهم يعرفون أن النخبوية ما هي سوى أثر بال من الاضطهاد الاجتماعي السابق Relic. ويساهم حرص المؤسسات البرلمانية في الدول الديمقراطية على مكافحة تضارب المصالح ما يؤدي أحياناً إلى التخفيف من وطأة التعجرف النخبوي. فلو أتيح المجال أمام النخبويين لفعل ما يريدون لتحول المجتمع ساحة صراع مريرة بين أغلبية هُضمت حقوقها وأقلية نخبوية تريد إلغاءها من الوجود, لو استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
النخبوية لا تشير فقط إلى عزلة اختيارية لمجموعة طبقية عن باقي أعضاء المجتمع ومحاولتها الحفاظ على مميزاتها الاجتماعية بأي طريقة كانت, ولكن النخبوية يمكن أن تشير أيضاً إلى نخبوية فكرية وثقافية ودينية ! على سبيل المثال, يعتقد بعض المثقفين أنهم أفضل من مواطنيهم العاديين, وبخاصة من ليس لديهم تعليم يوازي شهادات ومؤهلات النخبويين المفكرين ! وثمة أيضاً نخبوية دينية, حين يعتقد بعض المتخصصين بالشأن الديني والروحي أنهم أفضل من العامة مع أنهم ليسوا بالضرورة كذلك.
الديمقراطية الحقيقية كابوس يتردد في أحلام النخبويين, وحلم يقظة لا يزال يراود أفئدتهم حتى ينجحوا في تحطيمه. فلو أتيحت الفرصة للنخبويين المتطرفين لألغوا كل من هو مختلف عنهم أو لغادروا إلى كوكب آخر. فثمة كبر وغرور منقطع النظير في العقل النخبوي المتطرف, يجعله ينظر بازدراء واحتقار إلى الآخرين.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.