عرفته قبل ان أتعرف عليه، هو أيوب حسين الأيوب والمعروف بين معارفه بأيوب حسين، من عائلة القناعات الكريمة اشتهر بين الناس برسم اللوحات التشكيلية، ومهتم بالتراث الكويتي، ألّف كتبا عن الالعاب الشعبية الكويتية وعن اللهجة الكويتية ومفردات اللهجة وكتب المقالة الاجتماعية والنقدية وكان شاعرا مطبوعا فكتب الشعر المحلي الشعبي والشعر العربي، لكنه كان يؤثر عدم نشره فكنت الح عليه دائما ان يجمع اشعاره في ديوان خوفا من الضياع حتى اقتنع، قبل عامين تقريبا حيث تولى مركز الكويت للبحوث والدراسات طبع الديوان، ومن نشاطاته انه ساهم في تأسيس متحف الكويت الوطني ابان الخمسينيات والذي كان مقره حينذاك قصر الشيخ خزعل (قصر عبدالله الجابر) الواقع بين قصر دسمان والسفارة البريطانية، كذلك كانت له محاولات بسيطة في التصوير السينمائي وعمل افلاماً «بدائية» كارتونية قصيرة، وقدم برامج تراثية عبر شاشة تلفزيون الكويت.
هذا هو ايوب حسين، الفنان الشامل اذا صح التعبير والتراثي العاشق لوطنه الكويت، لقد كان مصورا بارعا بريشته فلقد نقل الكويت القديمة من الواقع الى لوحات معبرة وناطقة فرسم البيت الكويتي من الداخل ومن الخارج ورسم الفريج ورسم المطوع والمدرسة، وكشتات البر والعادات والمهن والحرف القديمة ورسم العرس الكويتي، وختمة القرآن والطهور والمحسّن (الحلاق).. الخ. فاستحق ان يلقب «تاريخ الكويت المصور» كانت لوحاته تحمل النكهة الكويتية والروح الكويتية.
كنا في اواسط الخمسينيات من القرن الماضي تلاميذ في المرحلة الابتدائية (مدرسة الصباح) وكان زملاؤنا الذين سبقونا بالانتقال الى المرحلة المتوسطة يأتوننا بأخبار مدرستهم (مدرسة الصديق المتوسطة، مبنى وزارة الداخلية الحالي) وكان ايوب حسين اكثر المدرسين الذين يستأثرون باهتمام الطلاب، فكانوا يتكلمون عن انتظامه وحزمه وخيزرانته الطويلة المتميزة وتعامله الابوي مع الطلاب.. الخ، وعندما انتقلنا من مدرسة الصباح الى مدرسة الصديق صرت وجها لوجه مع الاستاذ ايوب حسين الذي تحدث عن شخصيته زملاؤنا السابقون علينا عن انتظامه وحزمه وخيزرانته المتميزة، حيث هو مشرف جناح سنة اولى وهو في نفس الوقت مدرسنا لمادة التربية الفنية، الا ان الاستاذ لم يستمر فلقد انتقل قبل منتصف العام الدراسي الى مدرسة ابن زيدون مترقيا وكيلا للمدرسة، الا اننا فيما بعد كنا نتلاقى (انا والاستاذ) اثناء العطلات الصيفية في مقر مركز المرسم الحر الذي خصص للرسامين التشكيليين المتفرغين وكان يقع في مدرسة قتيبة الابتدائية الكائنة في منطقة المرقاب وصارت فيما بعد مقرا لكلية المعلمين والمتحف العلمي الحالي في ذلك المكان (المرسم الحر) كان ملتقى الفنانين التشكيليين متفرغين وغير متفرغين، انما توقفت علاقتي بالاستاذ ايوب حسين بعد انضمامي الى جمعية المعلمين التي كنا نلتقي في كل امسياتها الى جمع عزيز من الزملاء والزميلات ومع توالي الايام والسنين قويت تلك العلاقة من زمالة الى صداقة لا تقطعها الا ظروف السفر او الامور الخاصة.
لقد انطبعت اعمال الاستاذ ايوب حسين الغنية بشخصيته المحافظة والمحبة للبيئة والفريج لذا ظلت كل اعماله تقريبا لا تخرج عن الحياة الشخصية وفي السنوات الاخيرة حرص الا يظهر وجوه الشخوص التي يرسمها كأن يرسم الجسد ويخفي الوجه.
ان ايوب حسين ارخ للكويت وهو جدير بان تجمع اعماله في متحف خاص ونرجو من المجلس الوطني للثقافة والفنون ان يقوم بجمع اعماله ان كانت اللوحات الاصلية او المصورة وهذا واجب مطلوب من الاخوة في المجلس الوطني.
لقد جمعتني خمسون عاما الى الاستاذ ايوب حسين لذلك فالحديث عنه يثير الشجن والذكريات لقد عرفته يرحمه الله عن قرب كما لم يعرفه الآخرون، فمهما تحدثت عنه ولن اوفيه حقه، لكن كفاني قولا انني برحيله فقدت نفسي فقدت كلي فقدت ايوب حسين الاستاذ والاخ الاكبر والصديق والزميل والنديم الحميم.
انه برحيل ايوب حسين يكون آخر فنان تشكيلي من جيل الرواد قد ارتحل.. رحمك الله يا ابا حسين، وجعل الجنة مثواك، وألهمنا على فراقك قوة الصبر وقدرة الاحتمال. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق