سليمان الخضاري: طبيعة الصراع في الكويت!

يكثر اللغط في الكويت حول طبيعة الصراع الدائر حاليا على الواجهة السياسية، ففي الوقت الذي لا يختلف الكثيرون فيه على الآثار المدمرة لمجمل الصراع الدائر حاليا بين النخب السياسية والاجتماعية، إلا أن تشخيص العلة في هذا الصراع تشوبه الكثير من الضبابية والحيرة والتهم المتقاذفة يمينا ويسارا!
من التبسيط المخل عند مقاربة الصراع المذكور، الركون لشعارات سياسية تكتفي باتهام السلطة بعدم الإيمان بالديموقراطية والدولة الدستورية، وهو ما قد نتفق معه جزئيا ويبرره سلوك السلطة في مفاصل تاريخية معينة، إلا أن العناوين المتداولة حاليا في الساحة السياسية من تجاذبات عمودية وأفقية، تتعرض لمجمل انتماءاتنا السياسية والاجتماعية والمذهبية والثقافية بل والاقتصادية أيضا، يشي بأبعاد متنوعة للأزمة في الكويت.
ما عادت القضية في الكويت مختصرة في سلطة تتحين الفرصة للانقضاض على المكتسبات الدستورية، بل إن هنالك ما يشي وبكل وضوح أن القوى المناهضة للسلطة قد جنحت في توجهاتها لتبني شعارات وممارسات لا تقل تناقضا ومعاداة لمباني ومنطلقات دستور 1962 من تلك المنسوبة للسلطة في أوقات معينة، بل ولعلها تفوقها سوءا من خلال التعبئة الشعبية وخلط السياسي بالاجتماعي والديني وتجهيز الأرضية اللازمة لتغيير الوجه الثقافي للمجتمع مرة واحدة، وللأبد!
هي القوى التي تخاصم السلطة متذرعة بالدستور والحريات المنصوص عليها فيه، نفسها من يقوم وبكل قوة في التضييق على الحريات الخاصة والعامة وتختزل الحرية في اتجاه واحد يتلخص في إطلاق الخطاب السياسي المعادي للسلطة والمتجاوز لكل الخطوط الحمراء عرفا وقانونا، والكثير من أبطال هذه القوى من المنادين بشعارات تطبيق القانون هم أول من يتجاوزه في أروقة الوزارات وأجهزة الدولة، يعينهم في ذلك ضعف مرير للسلطة التي تراجعت أدوات هيمنتها على الأجهزة التنفيذية ومؤسساتها.
القوى نفسها تقوم وبكل ضراوة بإذكاء خطاب الكراهية المذهبية والإقصاء الديني في محاولة للتكسب من أوضاع إقليمية ملتهبة ضاربة عرض الحائط بقيم التعايش السلمي وخطر العبث بمفاهيم العيش المشترك على الأجيال الحالية ومستقبلها.
وحدها القوى التي اصطلح على تسميتها بالقوى «المدنية» أو «وطنية» ما زالت وبكل سذاجة تندفع في مقاومة هذا المد المتطرف باتباع أساليب دفاعية ترتكز على البعد السياسي والسياسي فقط، فتحاول رص صفوفها لخوض معركة انتخابية عقيمة قد تؤدي لتغيير موازين القوى السياسية، متناسين حقيقة أن المد المتطرف المشار إليه يرتكز على أبعاد ثقافية واجتماعية تم ترسيخها في العقل الجمعي للمواطن الكويتي «الحديث»، وأن المعركة لا يجب أن تهمل قيمة العمل المؤسسي على الأرض والذي لا يعتمد بالضرورة على توخي الحصول على نتائج فورية قد تتغير بسرعة شديدة.
الصراع في الكويت باختصار هو صراع متعدد الوجوه والأسباب، وأي مقاربة لا تعي هذا التعقيد المشار إليه آنفا هي باختصار.. عبث.. على أقل تقدير!

Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.