وليد الجاسم: أمطار الخير دروس.. وعِبر

نحمد الله ونشكره كثيراً أن أفاء علينا بهذه الأمطار المبكرة ولعدة مرات في هذا الموسم الشتوي الذي نتوقع له أن يكون جميل الطقس أخضر العشب.
فالمطر نعمة من نعم الله علينا، نحبه ونتمناه دائماً.
لكن الأمطار أيضاً تكشف لنا العديد من مواطن الخلل التي تضرب البلاد من كل حدب وصوب.
فهي كشفت عن خلل وضعف في كثير من المباني الحديثة سواء العامة أو الخاصة، الأمر الذي يحتّم دراسات سريعة لآليات وطرق البناء والسراديب التي تكون عرضة للتحول الى برك سباحة يجب أن يكون لها ضوابط، ومعدات الضخ التي يتم تركيبها وطرق إنجاز المجاري (أجلكم الله) في المنشآت الخاصة والعامة أيضاً يجب أن تخضع كلها الى هذه الضوابط والمواصفات القياسية.
نحن نعلم أن كميات الأمطار التي هطلت غزيرة جداً وغير معتادة، ولا نحمّل الدولة ولا الناس كل المسؤولية عما جرى، ففي هذه الحالات وفي جميع البلدان تفلت الأمور عن السيطرة أحياناً. ونحن نعلم ان هناك بعض الشوارع تحملت كم الأمطار الهائل، وربما خدمها في ذلك ارتفاعها النسبي، وهناك شوارع منخفضة نسبياً غرقت وتحولت إلى بحيرات.
ونحن نعلم انك اذا فتحت «نل» الماء على البانيو لاقصى قوة دفق مياه، لن يمتلئ البانيو ابدا اذا كانت السدادة مرفوعة، ولكن اذا جلبت برميل مياه عبوة 200 لتر وقلبته فجأة في البانيو.. سيمتلئ ويطفح حتى لو كانت فيه عشرون سدادة مفتوحة وليس سدادة واحدة.. فنحن نتفهم أن كمية الأمطار غير عادية ونتفهم أن تحدث مشكلات تفوق الامكانات، لكن ما لا نتفهمه أن تقع مشكلات ما كان لها أن تقع مثل المناطق الجديدة الحديثة التي تحولت شوارعها إلى بحيرات بينما المفترض ان فيها افضل واحدث بنية تحتية.. وكذلك لا نتفهم ما اصاب بعض المستشفيات التي صارت ممراتها برك سباحة، إضافة إلى عدم تفهمنا لعدم جاهزية فرق الدفاع المدني لمثل هذه الظروف رغم انها بسيطة نسبياً وليست كارثية.
وبناء عليه، نحن لا نحمل الدولة وحدها كل المسؤولية ونتفهم وجود ظروف مناخية طبيعية صعبة، ولكن بالتأكيد جزء كبير من المسؤولية تتحمله الدولة باعتبارها المهيمن على الثروات والمنفذ للمشروعات، كما أنها هي من يضع ضوابط ومواصفات البناء.
أعرف شخصاً اشترى بيتاً قبل نحو 15 عاماً من شخصية مرموقة يمتهن من ضمن أعماله التجارية بناء البيوت وبيعها. ومع أول هطول للأمطار وكان متوسطاً امتلأ حوش سردابه الساقط بالمياه ودخلت المياه الى صالات السرداب. تعجبت وأنا أشاهد ما جرى له، جاء الرجل بمضخة لسحب المياه.. وبعد السحب «انسدح» فني الصحي على الأرض ومد يده داخل البالوعة ذات الغطاء الأمريكي ليكتشف أن تحتها وضعاً غريباً وغير معتاد. فاستأذن وكسر البلاط ليتبيّن أن البالوعة مجرد غطاء فوق «درام» صبغ «فاضي» تم عمل ثقوب فيه من الأسفل لتتجمع فيه المياه ومن ثم تتسرب بهدوء الى أسفل الأرض.
اضطر صاحبنا بعدما «شرب المقلب» من الشخصية المرموقة الى عمل تمديدات صحية جديدة لحوش السرداب وحفر «جورة» وزودها بمضخة لسحب المياه أولاً بأول الى الصرف الصحي الخارجي.
هذا نموذج من نماذج الغش.. وما أكثرها في بلادنا.. في المباني الخاصة والعامة مثلما قلنا، ولسبب بسيط.. هو تراخي الاشتراطات وضعف الرقابة من جهة، وغياب المسؤولية والعقاب من الجهة الأخرى.
ولهذا.. أتمنى الإسراع في وضع الضوابط والشروط الفنية والهندسية التي تضمن منع الناس من إيذاء أنفسهم، ومنع الغش والتلاعب.
وفي كل الأحوال نقول الحمد لله رب العالمين على نعمته، واللهم أرزقنا الغيث بخيره.. وأبعد عنا الشرور.

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.