هل أفريقيا بحاجة إلى إعادة اكتشاف ذاتها وإمكاناتها, قبل البحث عن شراكة ستراتيجية تفتح أبواب الاستثمار فيها, أمام رجال الاعمال العرب عموما, وتحديدا الخليجيين الباحثين عن وجهة جديدة لتوظيف أموالهم تقيهم جحيم الخسائر التي يتكبدونها في الدول الغربية جراء أزمات مالية واقتصادية تعصف بها?
هذا السؤال وغيره من الهواجس يشغل بال المراقب الذي يرى في قارة شاسعة غنى زراعيا ونفطيا, بالاضافة الى ثروة طبيعية من المعادن, لكنها تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة, تحتاج الى إصلاح بعض مكامن الخلل التي حولت غناها الى فقر جراء سوء التخطيط.
إنها حقيقة على الحكومات الأفريقية إدراكها جيدا, اذا كانت تسعى جديا الى بناء شراكة اقتصادية متينة مع الدول العربية, خصوصا الدول النفطية, التي تتمتع بثروات كبيرة وتبحث عن وجهات استثمار جديدة تغنيها عن الخوض في استثمارات غربية تبقى مخاطرها عالية, فيما مردودها يزداد انخفاضا عاما بعد عام, رغم كل إجراءات التحوط التي تتخذ في هذا الشأن.
ما ينقص أفريقيا كي تكون جنة استثمارية, ووجهة لرؤوس الاموال العربية, هو الادارة الاقتصادية القادرة على تسويق القارة السمراء, وجذب الاستثمارات إليها, كما ينقصها إبعاد رؤوس الاموال المشبوهة المرتبطة ببعض الحركات الارهابية العربية, وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني الذي يتخذ منها ملاذا آمنا لادارة أموال التهريب وتبييضها وإعادة ضخها في الاسواق العالمية.
تحتاج, أيضا, الى إنهاء عصر اعتمادها على المستشارين الاقتصاديين والسياسيين المرتبطين بهذا الحزب وغيره من الجماعات الارهابية الاخرى, وإعادة هيكلة بنيتها القانونية بما يتناسب مع المسعى الجديد الذي أعلنته معظم الدول الافريقية المشاركة في الدورة الثالثة للقمة العربية – الافريقية.
مطلوب منها حماية فعلية للمستثمرين, العرب وغير العرب, الذين لا يمكن ان يخاطروا بأموالهم فيها, وهي عرضة في أي وقت للعقوبات الدولية, ذلك ان “رأس المال جبان” وفي الوضع الافريقي الحالي, لا يمكن لأي مستثمر ان يوظف أمواله في تلك الدول, أكان بسبب عدم الاستقرار الأمني في العديد منها, أو لوجود الكثير من الشبهات القانونية حول الشبكات الاستثمارية المشبوهة التي ذكرناها. ولكي يستقيم الأمر يحتاج المستثمر الفرد إلى ضمانات أكثر من تلك التي تحصل عليها الصناديق السيادية المحمية أصلا من حكوماتها وبالاتفاقيات الدولية.
لا يمكن أن تبقى أفريقيا التي تضم مليار نسمة في 63 دولة وإقليما مجهولة للكثير من المستثمرين العرب, أو تبقى في أذهانهم مجرد صورة لمنجم ينتج فقرا, ولهذا لا بد من تبديد هواجس المستثمرين.
في المقابل, من واجب الدول العربية الساعية الى شراكة اقتصادية ستراتيجية مع هذه القارة أن تصارح قادتها بمخاوفها النابعة من واقع, وتعمل معها على تذليل العقبات وإرشادها في هذا المجال.
الطريق السليم لجذب الاستثمارات الى ثاني أكبر قارة في العالم يمر عبر الأمن والاستقرار والوضع القانوني الصحيح وإبعاد عناصر التهديد. فهل تحقق أفريقيا ذلك, وتؤسس ربما لقرن من التعاون بينها وبين الدول العربية?
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق