في مقر وزارة الدفاع حيث مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع المصري القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسي, يختلف الامر عن غيره من المقرات, فهنا الجميع يعرف مهمته ويؤديها على أكمل وجه.
في هذا المقر كنا ثلاثة, كاتب هذه السطور وبرفقتي الزميلان رئيس تحرير الزميلة”الخليج” أحمد إسماعيل بهبهاني ورئيس تحرير الزميلة “الانباء” يوسف خالد المرزوق, في لقاء استكشافي قبل أن يكون صحافيا, اذا جاز التعبير, مع الرجل الذي ألقيت على عاتقه مهمة حفظ أمن مصر وحدودها وحقق رغبة شعبها في انهاء حكم “الاخوان”.
لقد أردنا ان نعرف إلى أين ذاهبة أكبر الدول العربية, وماذا سيحدث للبلد “المعلول من هزيمة العام 1967”, كما قال السيسي في مستهل حديثه إلينا.
الرجل تحدث بكل شفافية عن التاريخ والمشكلات التي تواجهها بلاده, عن مصر في ظل الهزيمة ومصر الانتصار في حرب العبور عام 1973, عن الاقتصاد والانفجار السكاني والوضع الاجتماعي والامن والديانات وتعايشها على تلك الارض المباركة. تحدث بالأرقام والادلة والشواهد, كما تحدث أيضا عن نفسه.
في الحوار.. كان ما قاله السيسي يصدر عن رجل عارف, مدرك مشكلات بلاده, هذه المشكلات التي ردها في الاصل الى هزيمة العام 1967, او ما سميت “نكسة يونيو”, كان يشرح المشكلة ويطرح لها حلاً.
حديث السيسي إلينا كان حديث الرجل واسع الثقافة المتبحر دينيا واجتماعيا واقتصاديا, وفي السطور الآتية ما سألناه وما أجاب به:
البداية كانت مع السؤال الذي تفرضه الاحداث التي تشهدها مصر, وخصوصا الحملة الشعبية لترشح السيسي لرئاسة الجمهورية, سألناه: هل انت مرشح للرئاسة؟
قال:” وهل سيكون مرضيا لكل الناس هذا الامر؟ هل سيرضي ذلك بعض القوى الخارجية؟ وهل سيعني هذا بالنسبة لي العمل على ايجاد حلول لمشكلات مصر التي سبق ان اوجزتها لكم؟ على كل حال دعونا نر ماذا تحمل الايام لنا “.
اجبته: جوابك هذا لنا ملاحظات عليه, منها انك محبوب من شعبك, ومقبول من دوائر الخارج التي تخاف على مصر وأمنها واستقرارها ومستقبلها, لقد ظهر ذلك واضحا في الفترة التي حكم فيها “الاخوان”, فالعديد من الدول تضررت تماما كما تضرر الشعب المصري من ذاك الحكم, ولهذا نعتقد أن وجودك على رأس هرم الدولة سيكون ضمانة للشعب ولتلك الدول, وهذا ما سيفتح الباب للعديد من الاتفاقات الاقتصادية المتكافئة بينها وبين مصر, وهي اتفاقات مفيدة لمعالجة تداعيات ما حصل في العام 1967, ولا تزال آثاره بادية بوضوح على الوضع في بلادكم.
إن تلك التداعيات ازدادت وتعاظمت في ظل حكم “الاخوان”, وبالتالي فمن واجب الجميع العمل على معالجتها وإزالتها, وهي تحتاج الى رجل مدرك حقيقة المشكلات التي تعانيها بلادكم, ولهذا فأنت ستكون مفيدا للمرحلة المقبلة المهمة, اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وامنيا, في تاريخ مصر.
وكما تعلم, فإن العديد من دول العالم حريصة على أمن مصر واستقرارها, وهي لم تخف قلقها, في الفترة الماضية, حين امسكت جماعة “الاخوان” بزمام الامور في البلاد.
كذلك فإنها لم تخف ارتياحها من سقوطهم, ولمنع تكرار كل هذا, هناك شريحة عريضة من الشعب المصري ومن الدول العربية وغير العربية ترى فيك الرجل المناسب لهذه المرحلة.
وواصلت قائلا دعني اسألك: لماذا اختارك محمد مرسي وزيرا للدفاع؟
قال: يعز من يشاء ويذل من يشاء, عندما دعوت الشعب لتأييد التحرك والتعبير الحر عن رغبته في إنهاء الوضع الشاذ, لم أكن اشك لحظة بتجاوبه, ولا شككت أيضاً في أن يخرج بهذا الزخم الكبير.
الشعب حين خرج الى الميادين لم يكن بالعشرات او المئات او الآلاف بل بالملايين, وهذا يعني اننا كنا أمام ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا.
نعم, لم اكن أشك برغبة الشعب الكبيرة في إنهاء الوضع الأمني الشاذ, ولذلك جاءت خريطة الطريق معبرة عن آمال هذا الشعب.
لقد كان”الاخوان” يتحكمون بالاوضاع ككل في البلاد, وفي كل مرة كانوا يهددون بميليشيات ما لمواجهة الجيش والشعب, ومنع تحركهما. لقد كانوا واضحين في تهديداتهم, وفي كل مرة يظهرون فيها امام وسائل الاعلام كانوا يلوحون بإشارات التهديد, ولم يستمعوا إلى النصيحة عندما أسديناها لهم, وخصوصا نصيحة الجيش لهم بأن يتجاوبوا مع ثورة 30 يونيو”.
قلنا له: سيادة الفريق, دعنا ننقل لك ما دار في حوار مع شخصية عسكرية مصرية رفيعة زارت الكويت قبل فترة, وهي من الشخصيات التي لها قرارها في جيشكم, لقد سألناه السؤال عينه: لماذا اختار مرسي عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع؟ فرفع الرجل سبابته, علامة الشهادة, وقال: إنها ارادة الله تعالى.
سيادة الفريق انت تعرف أن أداة التغيير الاولى في أي دولة هي الجيش, ولا تكفي الثورات الشعبية وحدها في التغيير, اذ لابد من مساندة عسكرية لها, وانتم جيش مصر لبيتم الرغبة الشعبية وحسمتم الأمر, فبارك الله بخطواتكم, لكن لدينا سؤالا هو: هل فعلا حُسم الأمر؟ وهل الأحداث التي تشهدها مصر اليوم ستؤثر في الوضع؟
أجاب:” نعم, الامر حسم, وبعض الدول التي كانت تؤيد حكم “الاخوان” وممارساتهم المتسلطة أدركت اليوم ان ما جرى في 30 يونيو لم يكن انقلابا عسكريا انما هو ثورة شعبية ضد حكم لفظته الناس, اما ما ترونه حاليا فهو مجرد تداعيات سهلة وبسيطة, ولن تؤثر في الوضع او تغير في الأمر شيئاً”.
وعندما سألته: هل ستغير مصر تحالفاتها في ضوء المواقف التي شهدناها في المرحلة القريبة الماضية؟ اي هل ستغير تحالفها مع الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي, وخصوصا اليوم في ظل الغزل المتبادل بين مصر وروسيا؟
قال: “هذا غير وارد, اذ ليس من الحكمة ان تكون على علاقة مع هذا او ذاك وتغير تحالفاتك جراء مواقف معينة, وهذه ليست سياسة الدول التي تحكمها الفطنة والحكمة, كما انه ضد منطق الامور”.
ثم اكمل موضحاً: “نحن نسعى الى علاقات متوازنة مع الجميع, مع كل الدول, علاقات تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية وعدم الاملاء”.
فعدنا إلى ما يشغل بالنا مكررين السؤال من زاوية جديدة: نرى انك رجل متبحر في قضايا مجتمعك, وفي التاريخ والامن بالاضافة الى تبحرك في الامور العسكرية وقضايا الجيش, فهل ستحرم مصر من كل هذا وتبتعد عن ادارة شؤونها؟
فيبتسم الفريق السيسي بوضوح غامض, وقال :”لا جواب, دعنا نر ماذا تحمل لنا الايام”.
فدرنا دورة كاملة وعدنا: لا نخفيك اننا التقينا اثناء وجودنا في القاهرة بعض الشخصيات, وهم قلة, وعندما طرحنا عليهم إمكانية أن تكون رئيس الجمهورية القادم, كانت وجهات نظرهم شبه إجماعية على أنهم لا يفضلون عسكريا في هذا المنصب, لكننا قلنا لهؤلاء: إن الذي اعلن الجمهورية الخامسة في فرنسا كان الجنرال شارل ديغول, والجنرال فرانكو كان معجزة اسبانيا فهو الذي انهى الحرب الاهلية, فما رأيك بقولهم وقولنا؟
مرة اخرى ابتسم الفريق اول عبدالفتاح السيسي, وقال :”لكل حادث حديث, دعونا نتحدث معكم عن مشكلات مصر, لعلكم تكونون خير رسول منا الى بلدكم العزيز الذي اوصيكم به خيرا, عليكم ان تحافظوا عليه, ولا تجعلوه في مهب الريح, فأنتم بخير, بل بالف خير”.
لا يغرنكم حديث البلاغة الزائفة, او اي حديث موتور ومتمصلح, والله انني كنت اخاف على دول الخليج مثلما كنت اخاف على بلادي, لذلك احفظوا بلادكم حتى لا تخسروا نعمة الامان والامن والاستقرار والعيش الكريم”.
المصدر”السياسة”
قم بكتابة اول تعليق