عبدالله خلف: لا تعذليه فإن العذل يولعه

لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه

هذا البيت هو مطلع قصيدة قالها ابن زريق البغدادي..
يُقال إن هذه القصيدة وُجدت تحت وسادة بن زريق بعد وفاته وهو في الغربة، كتبها وهو موجع القلب لفراقه بلده العراق، ولفراقه ابنة عمٍ له كان يريد أن يتزوج بها.
وفيها أبيات تشير إلى لوعة الفراق:
يكفيك من روعة التفنيد أن له
من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه
رأي إلى سفر بالرغم يزمعه
تأبى المطالب إلا أن تجشمه
للرزق كدحا وكم ممن يودعه
كأنما هو من حل ومرتحل
موكل بفضاء الله يذرعه

يبدو من القصيدة انه كان يكره التغارب والابتعاد عن وطنه وذويه.. ولكن أخذ يسعي إلى الذهاب هنا وهناك عارضا شعره لعله يغتني منه، ولكن حظه لم يحالفه.. ويرى أن الأرزاق قد قُسمت للمرء فيسعى إلى السفر رغم متاعبه، ويرى في هذا التعب (الزَّماع) والخوف أملاً في النجاح والغنى.
إذا الزماع أراه في الرحيل غنى
ولو إلى السند، أضحى وهو مربعه
قد وزع الله بين الناس يرزقهم
لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا رزقا فلست ترى
مسترزقا وسوى الغايات تقنعه
والحرص في الرزق، والأرزاق قد قسمت
بغي، ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه
إربا، ويمنعه من حيث يطمعه

إن الأرزاق مقسومة فكرة اعتمدها كثير من الشعراء والأدباء العرب في أقوالهم وأشعارهم.. وأساسها الاعتقاد بالقسم التي هي بقضاء الله وقدر منه.
ولكن مفهوم القسم لم يكن واضحا، وخلط الناس فيها خليطاً كثيرا.
ومن الذين يأخذون بفكرة القعود من طلب الرزق، لأن الرزق يأتي بدون عناء، عروة بن أذينة حيث يقول:
لقد علمت وخير القول اصدقه
بأن رزقي وإن لم يأت يأتيني
أسعى إليه يعنيني تطلبه
ولو قنعت أتاني لا يُعنيني
وهذان البيتان من قصيدة له، وقد نذكرها في مناسبة أخرى.
ومن ذلك قول محمد بن إدريس:
مثل الرزق الذي تطلبه
مثل الظل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعا
وإذا وليت عنه تبعك
ويقول صالح بن عبدالقدوس بما هو قريب من هذا المعنى:
لو يرزقون الناس حسب عقولهم
ألفيت أكثر من ترى يتصدق
ويقول أبو تمام كذلك:
لو كانت الأرزاق تجري على الحجا
هلكن إذن من جهلهن البهائم
ويقول الخليل بن أحمد:
الرزق عن قدر لا الضعف ينقصه
ولا يزيدك فيه حول محتال
والأصح من ذلك ما جاء في قول الله عز وجل:
{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}
???
هناك قصة لعروة بن أذينة مع هشام بن عبدالملك فقد أتى هو مع نفرٍ من الشعراء فلما عرف هشام بن عبدالملك عروة بن أذينة من بينهم استدعاه وقال ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خُلقي
إن الذي هو رزقي سوف يأتيني
فقال له ابن أذينة نعم.. فقال هشام أفلا قعدت في بيتك حتى يأتيك رزقك؟
فخرج عروة من وقته وركب راحلته وسار راجعاً نحو الحجاز.
فمكث هشام غافلاً عن الشعراء يومه، فلما جن الليل تذكر ما جرى مع عروة وفي الصباح سأل عنه فأخبروه بانصرافه بعد لقائه به.. فدعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار وقال له الحق بهذه ابن أذينة، فسار إليه ولم يدركه إلا وقد دخل بيته فأعطاه المال.. فقال عروة أبلغ أمير المؤمنين وقل له كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فأتاني الرزق.

عبدالله خلف

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.