نعم نحن نعيش دولة رفاه ونِعم لا تعد ولا تحصى تستحق منّا الحمد والشكر لرب العالمين، مصداقاً لقوله تعالى: “ولئن شكرتم لأزيدنكم”… فلا يجب أن نجحد نعم الله الكثيرة.
فبماذا نصف دولة أهلها وشعبها ينتظرون إجازة ولو مدة أسبوع، فترى ما يقارب المليون من الشعب يغادرون البلاد وفي كل الاتجاهات طلباً للسياحة والاستجمام، والسعيد من يجد حجوزات فنادق أو طيران… و”اللي ما يلحق” يضطر للبقاء في البلاد أليست هذه رفاهية؟
ثم قروض إسكانية وقروض ومنح زواج ومواد غذائية وأحياناً مجانية، ولتر الوقود أرخص من قارورة الماء، وعلاج مجاني في الداخل والخارج، أما الكهرباء التي يتجاوز سعر إنتاجها (40) فلساً، فتباع للمواطن والمقيم بسعر يكاد يكون مجاناً فهو لا يتعدى (4) فلوس فقط، وابتعاث للخارج للدراسة مع دفع كل التكاليف من المغادرة حتى العودة… وغيرها من النعم… أليست هذه دولة رفاه ورفاهية؟
لكن… يروي لي أحد الأصدقاء المقربين أنه أثناء وقوفه عند جهاز السحب الآلي اقترب منه أحد “شياب لكويت أول” وقدم له ورقة السحب وطلب منه أن يرى إن كان “المعاش” قد نزل، يقول صاحبي نظرت إلى كشف الحساب والرصيد المتوفر فأحسست بألم وحسرة كادت تفقدني توازني، فلم يكن الرصيد يتجاوز بضعة دنانير، تلعثمت ولم أكد أن أنطق، لكن مع إصرار الرجل أبلغته أنه “يبدو أن الراتب مانزل”… أخذ الورقة وهو يتمتم “يالله باجر إن شاء الله علشان أدفع الكهرباء والأقساط وغيرها”… وبدأ الرجل بالابتعاد وهو يجر قدميه ويحمل على أكتافه عبء سنين مضت حمل فيها الصخور والجص والتمور وغاص في أعماق البحار وركب أمواجها وجاب سواحلها ومدنها، وغدى الآن يحمل على كاهله أعباء ثقيلة بعيداً عمّا يقال من رفاه يتمتع بها وطنه.
مضى الرجل الشياب ولسان حاله يردد أبيات الشاعر محمد عبدالعزيز الضويحي:
يا حسين لا تطري ذاك اليوم وأخباره
عقب الشقا والعنا والغوص وأسفاره
أمسي غريب منسي بداره
يا حسين وقت مضى ما تنضوي أنواره
مير انه ما ينمحي من العقل تذكاره
من ناحية أخرى، ونظراً لتقاعسي عن سداد فواتير الكهرباء في انتظار قيام الحكومة الموقرة بإسقاطها، ونظراً لعدم تحقق ذلك الحلم فقد قمت بالذهاب إلى أحد مراكز التسديد، كان أغلب المراجعين من كبار السن المتقاعدين، ونظرا لعدم وجود قاعة انتظار فقد استند الجميع على “الطوفة”، ورأيت من بينهم امرأة لا تكاد تقوى على الوقوف فاستعارت كرسياً من أحد الموظفين وجلست وهي ممسكة بيدها مبلغاً من المال استقطعته من معاش زوجها المتوفى.
ونظراً لمعرفتي بأحد العاملين في المركز فقد قام جزاه الله خير “بالواسطة” من أجل تسهيل تسديدي للمبلغ، وقد دعاني إلى الجلوس في مكتب مدير المركز، وكان يجلس في المكتب رجل يبدو عليه التوتر ويتحدث بعصبية مع مسؤول المركز، ولأننا شعب معروف بحبه “للقافه” فقد قمت بالاستفسار عن سبب هذا الجدال الحاد، فأفادني الرجل المتوتر بأنه يحاول إقناع المسؤول بتخفيض المبلغ المسجل عليه والمطلوب منه تسديده والذي يتجاوز خمسة عشر ألف دينار، وبالطبع تعاطفت مع الرجل ضد المسؤول الذي طلب مني بإشارة معينة عدم التسرع في الحكم، بعد خروج الرجل أفادني مدير المركز بأن ذلك الرجل هو مندوب شركة “…..” التي يملكها “…..” وهذه فواتير بعض عماراته، وهنا أدركت كم كنت “ملقوفاً” بتدخلي في أمر أجهله!
وهنا نأتي إلى سؤال الحكومة عن أي رفاه تتحدث، رفاه هؤلاء الذين يستندون “على الطوفة” أم رفاه ذلك الذي يمثل طبقة معينة من المجتمع؟
هل يعقل أن تباع خدمات الدولة المدعومة لكل الأطراف بنفس الأسعار مع أن الهدف من الدعم هو إيصال تلك الخدمات إلى ذوي الدخل المحدود. إذاً إن أردنا استمرار هذا الرفاه فلابد من تعديل هذه المعادلة بفرض ضرائب تصاعدية وبشرائح تتدرج من الأعلى حتى الوصول إلى تلك المرأة أو ذلك الرجل الذي ينتظر معاشه، لماذا لا يُلغى نظام الكفيل بأن يقوم الوافد بدفع ضريبة تتناسب مع دخله للدولة، فهي التي تقدم له الخدمات لا الكفيل؟
أنا على ثقة تامة بأن الكويت الغالية دولة رفاه ورفاهية وستدوم إن شاء الله كذلك متى ما حرصنا على الحمد والشكر وعدم الجحود بها وحسن إدارتها.
ودعاؤنا دائماً للعلي القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
مسلسل صح النوم…
حاولت أن أقرأ خطة التنمية التي قدمتها الحكومة إلى مجلس الأمة، ثم حاولت وحاولت، ولا أعرف لماذا خطر على البال مسلسل “صح النوم” للفنان دريد لحام، وخصوصاً شخصية الصحافي حسني البرزان التي يؤديها الفنان نهاد قلعي، خصوصاً عبارته المشهورة “إذا أردنا أن نعرف ماذا يحدث في البرازيل فيجب علينا أن نعرف ماذا يحدث في الأوروغواي”… وقياساً على ذلك فإنه إذا أردنا أن نعرف ماذا يحدث في خطة التنمية فعلينا أن نعرف ماذا يحدث في جزر واق الواق!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق