أحمد الجارالله: إيران … هزيمة شجاعة

بات واضحاً للجميع أن المشكلة الأساس مع ايران ليست في سعيها الى امتلاك السلاح النووي, رغم خطورة ذلك على أمن واستقرار المنطقة, فهذا الملف الخطير جدا له الكثير من أساليب العلاج, وبالتالي هو موسى بحدين كادت طهران ان تبتلعها وتعاني مرارتها, إنما جوهر الخلاف مع نظام الملالي هو السلوك الاستفزازي المثير للعداء والتهديد الدائم لاستقرار الإقليم, وهو ما يجب البحث فيه بعمق ومن دون تردد وقبل تغليب مصالح طارئة للدول العظمى على المصلحة الدائمة لشعوب المنطقة في العيش بسلام وأمن وامان.
لا شك أن ايران خطت خطوة شجاعة في الاتفاق المبدئي بينها وبين دول 5+1, وقد لاقى ذلك الترحيب في الدوائر الاقليمية والدولية كافة, الا انها تبقى خطوة غير ذات معنى اذا لم تقترن بصدق النوايا, ليس على المستوى التقني في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم- الذي هو بالمناسبة آخر همنا في المنطقة- انما في تغيير السلوك تجاه دول الجوار والعالمين العربي والاسلامي, ووقف تخصيب الفتن المذهبية والطائفية والعرقية.
هذا هو الهم الأول لدول الاقليم وقد عبرت عنه بوضوح كل من السعودية والامارات والبحرين حين وضعت النقاط على الحروف في موقفها من الاتفاق, فهي عانت كثيرا من السلوك الايراني الاستفزازي, لذلك قرنت ترحيبها بصدق النوايا الفارسية, فالتجربة علمتنا ان لا نركن الى مواقف الملالي المعلنة, وان نتفحص جيدا ما بين سطورها قبل التسليم بها.
لقد ثبت بالبرهان القاطع أن تأثير الديبلوماسية الجيدة اقوى من السلاح النووي, وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا, وها هي طهران اليوم تحصد ثمار تلك الديبلوماسية, لكن فيما لو استمرت على تعنتها وتحديها للعالم لازداد وضعها سوءا, وربما لكانت بعد أسابيع أو أشهر شهدت شوارعها حمامات دم بسبب الوضع المعيشي المزري الذي بلغته جراء العقوبات الدولية المفروضة على نظام الملالي.
هذه الحقائق ليست غائبة عن بال المراقبين, وحتى المواطنين العاديين, ليس في ايران وحدها, بل في المنطقة ككل, وبالتالي تصوير الاتفاق المبدئي على انه انتصار إلهي جديد لطهران لا يعبر عن حقيقة, انما هو محاولة لتوظيفه في استعراض فائض قوة ما يثير العديد من علامات الاستفهام الواجب على القيادة الايرانية الاجابة عنها, قبل أي أمر آخر.
اذا كانت الجمهورية الايرانية تحاول استثمار اعلان النوايا برفع العقوبات عنها- وهو ما يشير اليه الاتفاق- في عملية الهيمنة على المنطقة التي تسعى اليها منذ عقود, فهي لا شك مخطئة ومشتبهة, لان الوقائع تعني غير ذلك تماما, اما اذا كانت ترمي الى استهلاك ذلك داخليا فهي ايضا كمن يصب الزيت على نار تعسّ في ثيابه, فوسائل الاعلام, وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد تترك امرا مستورا في هذا العالم, والحال اختلفت كثيرا عما كانت عليه قبل ثورة الاتصالات هذه, فالشعارات لن تسد رمق ملايين الذين يعانون الفاقة والفقر والجوع, وما فرحة الإيرانيين بتوقيع هذا الاتفاق الا شهادة على مدى تضررهم من العقوبات ورغبتهم في الخلاص مما هم فيه.
ربما على ايران ان تتعلم من درس جمال عبدالناصر الذي حاول تصوير الهزيمة في العام 1967 انتصارا الا ان الشعب المصري, ومعه الشعوب العربية, سرعان ما وضعت الامر في نصابه الصحيح وفرضت رؤيتها لما انتهت اليه حرب الايام الستة, واذا لم ترغب في التعلم من الدرس المصري لديها درس ربيبها اللبناني”حزب الله” الذي طبل وزمر بعد حرب يوليو عام 2006 لما اسماه “الانتصار الإلهي” الا ان الوقائع والاف القتلى والجرحى وتدمير المدن والقرى والبنى التحتية اسقطت ذاك الشعار, مبينة هول الهزيمة النكراء التي لم يشهد مثيلها لبنان وبات اليوم بفضل تلك الحرب تحت الوصاية الدولية بفعل القرار 1701.
كل ما فعله النظام الايراني انه خطا خطوة شجاعة للتخفيف عن شعبه, وانقاذ اقتصاده من الانهيار الكامل, وعليه استكمال الخطوات الباقية في الانفتاح على جواره الغني بالخيرات والذي يمكن ان يكون اكثر مناطق العالم ازدهارا, في المجالات كافة, اذا نعم بالاستقرار والأمن وهذا لن يتحقق الا عندما تتيقن القيادة الايرانية انها لا تستطيع مناطحة الصخر لتحقيق طموحات امبراطورية عفى عليها الزمن وباتت اضغاث احلام, اما اذا استمرت على سيرتها الاولى فستضيع فرصة تاريخية اتيحت لها, والفرص لا تتكرر كل يوم, والزمن لا ينتظر الحالمين على قارعة الاوهام.

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.