النابغة هو زياد بن معاوية بن سعد بن ذبيان، ولذلك يُعرف بالنابغة الذبياني تمييزا له عن النابغة الجعدي، ونابغة بني شيبان وسواهما، وقيل سُمي بالنابغة لانه قال الشعر ونبغ فيه بعد ان تقدمت به السن.. ولقبه من نسبه لبني ذبيان اقرب واصح.
اتصل ببلاد الحيرة في نحو عام 92 قبل الهجرة و530م.
مدح المنذر بن ماء السماء، ولكن عندما جاء عمرو بن هند الى عرش الحيرة في 68 قبل الهجرة ما يوافق 554م وقعت بينه وبين النابغة وحشة فغادر النابغة الحيرة الى جلّق حوران وهي غير جلق الاسم القديم لدمشق ليمدح الغساسنة ثم توفي عمرو بن هند في 53 قبل الهجرة، 569م فعاد النابغة الى الحيرة بعد حين.
لقد اتفق على ان غضب النعمان ابو قابوس على النابغة، كان اثر قصة مشهورة عندما طلب منه ابو قابوس ان يصف زوجته، وقيل ان النابغة هجاه وقيل بل وشاية قيلت على النابغة.. فخاف النابغة فهرب من الحيرة الى بلاط الغساسنة وانقطع الى عمرو بن الحارث الغساني واخيه النعمان يمدحهما، فزاد ذلك في غضب ابي قابوس.
لما هرب النابغة من النعمان وجاء الى جلّق، فمدح عمرو بن الحارث الغساني بقصيدة عرض فيها بالمناذرة، وخصوصا في يوم حليمة، يوم ذبح الحارث الغساني خصمه المنذر الثالث ملك الحيرة:
كِليني لهمّ، يا أميمةَ، ناصبِ
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قُلتُ ليس بمنقضٍ
وليسَ الذي يَهْدِي النُجُومَ بآيب
عليَّ لِعمرو نعمةٌ، بعد نعمة
لوالده، ليست بذات عقارب
وثقت له بالنصر إذْ قيل قد غَزت
كتائبُ من غسّانَ غير أشائب
إذا ما غزوا بالجيش حَلَّقَ فرقهم
عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقنَّ أنَّ قبيلهُ،
إذا ما التقى الجمعان، أول غالب
ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سُيوفهم
بهن فُلولٌ مِن قِراع الكتائب
توُرثِنَ من أزمان يوم حليمةٍ
إلى اليومِ قد جُرَّبْن كلّ التجارِب
كليني: اتركيني ودعيني يا أميمة، ناصب: متعب، عصائب جمع عصبة أي الجماعة، يوم حليمة: معركة انتصر فيها الغساسنة على المناذرة في سهل قنسرين شمال سورية.
وللقصيدة تتمة جميلة، قال فيها ان سلوكهم يرضي الله تعالى.. ويصفهم بالغنى، والعفاف.
لهم شيمةٌ لم يُعطِها اللهُ غَيْرَهُم
من الجودِ والاحلامِ غير عوازب
مَحلَّتهم ذاتُ الإله، ودينُهم
قويمٌ فما يرجون غير العواقب
رقاق النعال طَيْبٌ حُجراتُهم
يحيَّون بالرَّيحان يوم السباسب
تُحيِّيهِم بيض الولائِدِ بينهم
وأكسيةُ الأضريج فوق المشاجب
يَصُونون أجساداً قديماً نَعِيِّمُها
بخالصةِ الأردان خضر المناكب
ولا يحسّبونَ الخير لا شرَّ بعده،
ولا يَحْسَبون الشرَّ ضربة لازب
وبعد حين أرسل ابو قابوس يعاتب النابغة ويقول له انك صرت الى قوم قتلوا جدي، ورحب به. عندها رق قلب النابغة ورغب في عطاياه السخية.. وقال بعد ذلك يمدح النعمان أبا قابوس ويعتذر اليه:
أتاني، أبيْتَ اللعنّ، انك لُمتْني؛
وتلك التي أهتمّ منها وانصَبُ
فبِتُ كأن العائدات فرشْنَ لي
هِراساً به يُعلى فراشي ويُقشَب
حَلَفْتُ، فلم أترك لنفسكَ ريبة
وليْس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنتُ قد بُلغتَ عني خيانةً
لمُبلِغُك الواشي أغش وأكذبُ
ولكنني كنت امْرأً لي جانب
من الأرض فيه مُستراد ومذهب
ملوك وإخوان إذا ما أتيتُهم
أحكَّم في أموالهم وأقّرْبَ
كفعلك في قوم أراك اصطفيتهم
فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا
فلا تترُكنْي بالوعيد كأنني
إلى الناس مَطْلي به القارُ اجرب
ألم ترَ أن الله أعطاك سُورة
ترى كل مَلْك دونها يتذبذب
وقال في النعمان مدحا لم يصل إليه ما دح من قبل وفضله على كل الملوك.
فإنّك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكب
ولستَ بمسْتَبْقٍ أخاً لا تلمّه
على شَعَث، أيْ الرجال المهذّب
فان أكُ مظلوماً فعبدٌ ظلمته
وان تكُ ذا عُتبى فمثلك يُعْتِبُ
والنابغة شاعر حضري لأنه عاش أكثر حياته في بلاط المناذرة وبلاط الغساسنة، لذا دخلت في قصائده رقة الحضارة، من فصاحة اللفظ وعذوبة وسهولة في التركيب، وانه كثير المعاني في قليل من التركيب، قال فيه ابن رشيق كان احسن الشعراء ديباجة شعر، واكثرهم رونق كلام، وأذهبهم في فنون الشعر وله قصائد طوال جياد ورثاؤه قليل ونبغ في اعتذارياته الرقيقة..
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق