هديل الحويل: العمل الصحي

تنامى أخيرا الاهتمام الشعبي في الكويت بالعادات الصحية, فكثر الحديث عن الغذاء الصحي, والرياضة الصحية, ووضعية الجلوس الصحية, والعلاقات العاطفية الصحية, والأعشاب الصحية, وغيرها من مفاهيم كثيرة, فقررنا أن نلقي الضوء ولو قليلا على مفهوم “العمل الصحي” أو بيئة العمل الصحية إن صح لنا التفصيل في التعبير.
و لكن ما هي بيئة العمل الصحية? هي المحيط المكاني والزماني الذي فيه يزاول الشخص عمله, ومن خلاله يطمح الشخص إلى الإنتاج, بحافز يدفعه كل يوم للاستيقاظ إلى العمل مع حس بالانتماء العالي لمزاولة طبيعة المهنة نفسها, أو حس بالولاء القوي للمؤسسة المحركة لهذا العمل.
فإذا ما هي المقومات التي بتوافرها تكون بيئة العمل الذي يزاوله شخص ما صحية?
أولا: الإيجابية, بمعنى اليقين بالقدرة الكاملة على الإنجاز, و الإيمان المطلق بجدارة العمل مهما كان صغيرا, فبالإيجابية نضمن الاستمرار بالعمل بعد أن بدأناه. والإيجابية عامل معد, فهي تبدأ بنفس واحدة إلا أنها سرعان ما تستدل طريقها إلى نفوس العاملين, ولا أقوى ولا أوقع من إيجابية تنبع من نفس مسؤول, فتنتشر في نفوس العاملين معه مثيرة إحساسا عاليا بالبهجة والطاقة والقناعة بالقدرة.
ثانيا: الراحة, وهي بتعريفها البسيط إحساسا بالطمأنينة إلى شخص أو أشخاص عدة, فلا نحذر منهم الغدر بنا أو الكيد لنا, فأول عدو للجرأة على الإبداع والابتكار بشتى أنواعهما هو الخوف, سواء كان خوفا على لقمة عيش من أن تزول, أو خوفا من كلمة ساخرة أو أخرى جارحة, ولذلك فإننا نرى أن ضد مفهوم الراحة ليس في نفيه ـ كأن أقول عدم الراحة- ولكن ضد كلمة الراحة في بيئة العمل على وجه التحديد هو “الإحباط”, فلا أبدع من خاف, و لا أنتج من تردد, و لا حقق من كان محبطا.
ثالثا: الإحساس بالجدارة, وهو إحساس يتحقق عندما يقتنع العامل تحت أي مسمى, أنه مرئي ومسموع في البيئة التي يعمل فيها, وأنه صاحب قول يحترم, كما هو صاحب رأي يؤخذ به, وهو إحساس إذا تعزز في نفس أي صاحب مهنة مهما علا شأنها أو صغر, سوف يعزز معه ولاء العامل لعمله وللمؤسسة التي تدير له عمله.
رابعا: اللامركزية, أي أن يعرف كل عامل مهمات عمله الموكلة إليه بدقة, فلا ينتظر ضوءا أخضر من مدير ولا مسؤول, بل يزاول عمله كل صباح أو مساء بجدول انتاجي واضح وشفاف يجعله مسؤولا عن إنجازه أمام نفسه أولا, و زملائه في العمل ثانيا, ومسؤوله ثالثا, الأمر الذي يترك للعامل بعدها حرية إدارة يومه في العمل كيفما اتفق مع حدود مسؤوليته, فيترك وقتا لشرب كوب من شاي, أو لمجالسة زميل أو خلافهما من نشاطات اجتماعية محببة, طالما لم تتعارض مع جدول سير العمل أو تخل فيه.
بقي أن نشير إلى أن جميع مقومات بيئة العمل الصحية السابق ذكرها عبارة عن حلقات في سلسلة مقفلة, مفتاحها في يد رب العمل ومديره, فالإيجابية تبدأ منه, والراحة تنبع منه, والإحساس بالجدارة يصدر عنه, واللامركزية تنتهي عنده, ولكن لو وجدت نفسك يوما في بيئة عمل تخشاها أو تنفر منها, فاحرص على خلق بيئة أصغر منها تديرها وحدك أو مع قليل من زملائك, فتبتعد فيها عن الإحباط وتنأى فيها بنفسك عن الاستسلام للفساد.

هديل الحويل
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.