كشف الربيع العربي عن صعوبة في تحقيق التوافق الاجتماعي في المجتمعات التي وقعت تحت مقصلته. فحين بدأت المظاهرات والشغب بدأ يتفكك النسيج الاجتماعي بسرعة فائقة وضعفت الوحدة الوطنية والمواطنة الصالحة والحس المجتمعي. فما يحرك الربيع العربي هي الفوضى العبثية جراء الثورات الاجتماعية المتواصلة حتى بدأت بعض الدول تفقد مقدراتها وتتلاشى قيمها ومبادئها الوطنية الجامعة. وغياب التوافق الاجتماعي في المجتمع الوطني لم يسببه الربيع العربي فقط, بل الغياب السابق لحس المسؤولية الاجتماعية والغياب السابق لتوافق فردي ومجتمعي حول أسس وأطر وأهداف المواطنة الصالحة في المجتمع. فالتوافق الاجتماعي ينتج من تراكمات تاريخية تؤسس لمجتمع الوحدة الوطنية, وغيابه يدل على عدم تكرس التآلف بين أعضاء المجتمع. بل يفضح التفكك السريع للنسيج الاجتماعي ضعف الأسس والتوافقات الأخلاقية بين أعضاء المجتمع. وبالطبع, ليس ثمة حسنات أو فوائد للربيع العربي, بل أحد مصائبه وسيئاته أنه أنهى وللمرة الأخيرة فرص التوافق الاجتماعي بعد أن حصل ما حصل, وجُرح ما جرح وكُسر ما كُسر وهُتِك ما هُتِك خلال المظاهرات والمظاهرات المضادة والتعامل الأمني القاسي معها.
المجتمعات التي يوجد فيها توافق اجتماعي توجد فيها أيضاً توافقات فردية حول طبيعة المواطنة الصالحة, واتفاق عام حول ضرورة تكريس المساواة في المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. ولذلك تقاوم المجتمعات التي تتكرس فيها الجوانب المتعددة للوحدة الوطنية كل الهزات والاضطرابات الاجتماعية. ولكن المجتمعات التي يكثر فيها ترديد الشعارات الرنانة حول الوحدة الوطنية وحول المساواة في المواطنة وتكافؤ الفرص دون توافر دلائل ملموسة على تحققها في البيئة الاجتماعية تتهاوى وقت ما يحدث فيها أي نوع من الاضطرابات. مسيرة التفكك الاجتماعي بدأت تدور منذ أول صيحة ثورجية في الربيع العربي, وهلم جرا!
لن يحمي الدول والمجتمعات من اضطرابات الربيع العربي ومؤامراته سوى المصارحة بين أعضاء المجتمع الوطني, والعمل الجاد على تكريس المساواة في المواطنة, وتكافؤ الفرص, وإتاحة مزيد من الحرية الشخصية للأفراد. أما محاولة تخدير الامراض الاجتماعية بمزيد من الدعم المالي أو بمزيد من الشعارات الرنانة حول الوحدة الوطنية والمواطنة الحقة بينما الواقع يناقضها ويتعارض مع فرضياتها الأساسية, فهو إغماض قسري للعيون عن رؤية الواقع المر.
حري بمن يريد مكافحة مصائب الربيع العربي العمل على الحد من المحسوبية والتنفيع والمحاباة, وكل ما يؤدي إلى الاحتقان البطيء والمتواصل للعلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع الواحد.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق