محمد رمضان: الإدارة المرنة للتخلص من مزاجية الأجهزة الحكومية

يكثر الحديث من قبل نواب مجلس الأمة عن غياب خطة تنمية حقيقية، أو خطة عامة تضعها الحكومة يمكن الاعتماد عليها في المستقبل. ويشاركهم في هذا الرأي العديد من المواطنين الذين يريدون خطة من الحكومة تلتزم بها وتحاسب عليها. لكن، ليس بالضرورة أن يكون رأي الأغلبية صحيحا. بل ان هناك من الدراسات ما يؤكد أن رأي الأغلبية خطأ في كثير من الأحوال. فإذا ما أمعنا النظر بمستوى أداء الأجهزة الحكومية المختلفة، نجد أنه دون المستوى المطلوب لتنفيذ أي خطة. ليس هذا فقط فإن تنفيذ أي خطة سيصطدم بالعديد من المشاكل والمقاومة التي لا يستطيع واضع الخطة مهما كان أن يتوقعها. كما أن التغييرات الحكومية السريعة في المناصب والقرارات تزيد وتفاقم هذه التعقيدات. لكن لاداعي لليأس فهناك طريقة أفضل من وضع خطة لضمان الانجاز في ظل هذا الكم الهائل من الغموض والتغيير.

في حالات الغموض والتغييرات الكثيرة، يتم اللجوء إلى الأسلوب المرن في إدارة المشاريع. إذ يفضل وضع أهداف رئيسية وليس خطة طويلة الأمد. مثلا تصليح القطاع الصحي أو التعليمي أو غيره. فبدل الدراسات التي لا تنتهي، وان انتهت تكون غير نافعة لانها أصبحت قديمة بسبب كثرة التغييرات، يتم الانقضاض على المشكلة بشكل مباشر وبدءاً من أكثر الأمور المسببة لها. ولهدف التوضيح, مثلا مستشفى مبارك ليس فيه عدد كاف من الاسرة لعدد سكان المنطقة أو المحافظة. فيشكل فريق صغير يتم اختياره بعناية كبيرة ويعطى صلاحيات كبيرة لحل مشكلة النقص في الاسرة. وفي نفس الوقت يشكل فريق آخر يتم اختياره بعناية أيضا وتكون مهمته تسهيل العقبات التي يواجهها الفريق الأول فقط لا غير. يضع الفريق الأول مهامه الأولية بحيث لا تكون مدة أي مهمة تزيد على بضعة أسابيع، وتكون خطته قصيرة المدى وتعتمد على المرونة التامة وتقبل أي كم من التغيير. ولكي تتضح الصورة أكثر، سنُكَوّن أعضاء الفريق الأول من الأطباء والمهندسين والفنيين المتخصصين. وتكون المهمة الأولى للطبيب هي معرفة أقل عدد ممكن من الاسرة الإضافية الذي سيحقق تطورا كبيرا في الأداء بمدة لا تزيد على اسبوعين مثلا لهذه المهمة. وفي نفس الوقت تكون مهمة المهندس معرفة الأماكن المحتملة التي يمكن أن توضع فيها الاسرة الأضافية، وكم سيستوعب كل مكان منها وكم سيستغرق البناء أو التطوير بمدة لاتزيد على ثلاثة أسابيع مثلا.

بعدها يتوجه الفريق الأول إلى الفريق الثاني المكون من أفراد مهمين في الجهات الرقابية وذات العلاقة، مثل ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات المركزية والبلدية وغيرها، لاختيار أفضل الحلول وأسرعها ولإزالة أي عقبة ممكن أن تعترض طريق الفريق الأول. مثلا لتجنب المناقصات الكبيرة يمكن تقسيم العمل على مراحل صغيرة، ويمكن استثناء بعض الأمور. وللتأكد من عدم وجود أي مخالفة مالية يوجه المسؤول في ديوان المحاسبة الفريق الأول إلى الإجراءات السليمة وبسرعة وهكذا. يتم بعد ذلك اختيار الأماكن الأكثر جهوزية لإضافة الاسرة على أن يتم العمل لاحقا بالأماكن الأخرى متى ما تمكن الفريق الثاني من ازالة المعوقات بها وهكذا. فحتى إذا حصل أي تغيير وتم ايقاف المشروع مثلا يكون عدد معين من الاسرة قد اضيف فعليا وبدأ المرضى يستفيدون منه.

تكون الاجتماعات يومية بين أعضاء الفريق للمتابعة، وشبه يومية بين الفريقين حتى لا تطول الأمور لانها إن طالت عرضت المشروع إلى خطورة التوقف أو الالغاء أو التغيير. كما يجب أيضا توقع التغيير والتجهيز لأي شكل من أشكاله بمرونة ومن دون أي توقف. فالمهم بالنهاية هو انجاز أكبر ما يمكن انجازه وليس انجاز مشروع محدد وضعت له خطة طويلة جدا.

محمد رمضان

rammohammad@

كاتب وباحث اقتصادي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.