أمر محزن ما نشاهده من تراجع وترهل لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، ومحزن كذلك أن يصل أمر إلغاء صفقة شراء طائرات مستعملة من شركة جيت أيرويز الهندية إلى التراشق الصحافي وبالعلن بين وزير المواصلات ورئيس مجلس إدارة المؤسسة، والمحزن أكثر أن يُسرب تسجيل صوتي لحوار بينهما لسبب أو لآخر للجميع في وسائل التواصل الإجتماعي، أما ما هو أهم من كل هذا وذاك، أن المتضرر الوحيد من كل ما يحدث هو المواطن والدولة وأموال الشعب.
المشكلة اليوم، أن صناعة القرار أضحت مستحيلة في ظل هذه البيئة التي يشوبها شبهات التنفيع بالحق أوالباطل. فأمام كل صفقة أو مشروع أو توجه أو استراتيجية، نجد أن هناك من يسعى إلى إثارة عيوبها ومساوئها والشبهات التي تحوم حولها لمحاولة عرقلتها. قد يكون بعض هذه الصفقات غير سليم من الناحية القانونية وبه ضرر على المال العام، ولكن هذا لا يعني أن جميع مشاريعنا معيبة وتصاحبها شبهة التنفيع، فلو خليت خربت.
للأمانة، أكاد أجزم أننا اليوم نعيش في بيئة أصبح فيها المسؤول يعيش في حالة خوف من اتخاذ القرار على وقع مبدأ ( روح بعيد ونام سالم )، ليبعد نفسه عنه القيل والقال وكثرة السؤال وما قد يثار عنه في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الدواوين أو من خلال الناشطين السياسيين. من جانب آخر، فإن البعض يرى أنه ومهما وصلت أخطاؤهم، فإنهم وبواقع الحال ومن خلال التجارب السابقة، مبعدون على الأقل عن المحاسبة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب من خلال الجهات الحكومية المختصة، والدليل أن الكثير من المشاريع الحكومية قد ألغيت أو تعطلت أو تأخر إنجازها أو شابها شبهة التنفيع دون أن يحاسب مسؤول واحد أو يعزل من منصبه أو يحال للنيابة العام على الرغم من تكبد الدولة لخسائر مالية هائلة وما صفقة الداو ببعيده عما يحدث اليوم.
وبالرجوع إلى صفقة الكويتية المزعومة، فإن الغريب حقا، أن تظهر الخلافات بين المسؤولين الحكوميين في العلن، ويهاجم كل طرف الآخر أمام مرأى ومسمع الجميع. وكذلك الغريب أن الوزير المعني، وإن كان هناك جدل قانوني بخصوص مسؤوليته المباشرة عن القرارات المتعلقة بشراء الطائرات من قبل مجلس إدارة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، يأمر بإلغاء الصفقة، إلا أنه وفي الوقت نفسه، يظهر المسؤول المعني أمام الجميع ليعلن رغبته في المضي قدما لإتمام الصفقة مسببا ذلك لأمور تبدو للوهلة الأولى أنها منطقية. والأهم فوق كل ذلك، أنه وعلى الرغم مما صاحب هذه الأجواء من لغط ونقاش وسجال في الشارع الكويتي، لم يبين الوزير المعني حتى تاريخ كتابة هذا المقال، الأسباب الحقيقية التي دفعته لإلغاء قرار الصفقة.
ختاما، لا أعتقد أننا نستطيع بناء الدولة التي نحلم والمضي بها لمصاف الدول الأخرى التي سبقتنا بسنين عديدة، إذا استمرت بيئة العمل الحكومي على هذا الحال وإذا استمر نهج صناعة القرار على هذا الوضع، وإذا استمر الجميع يعمل وفقا لنظرية المؤامرة، وإذا كان البعض يعتقد أن أموال الدولة ( كيكة ) يجب أن يأخذ الكل نصيبه فيها والقائمة تطول!
إبراهيم أديب العوضي
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق