أجيال وحشود من الطلبة تخرجت على يديه، منهم المهندس والطبيب والفني والمحاسب والمحامي، كانوا جميعا قد عاصروا أيام الفقر وبداية النهضة، فمنهم ابن الشيخ وابن البحار وابن التاجر وابن النجار وابن صياد السمك وابن البدوي وابن القروي.. مجموعة غريبة لكل منهم حياة خاصة وحياة عامة يحياها في اليوم الدراسي. معظمهم برز في الحياة وبعضهم ذهب واندثر.. البعض عاش في الظل ومات في الظل، والبعض الآخر ملأ الحياة صخبا ودانت له الدنيا وأزهرت، وهو في واقع الأمر لا يفهم «راسه من كرياسه» كما يقولون، ولكنها الحياة ترفع من تشاء وتدمر من لا يعرف كيف يحياها.
كان استاذنا، رحمه الله، يتميز بالخيال الواسع، ولو اتيحت له الفرصة لكان من القصاصين الأعلام، ولكن محدودية الحياة في ذلك الوقت لم تسمح له بالانطلاق. لا نعلم على يد أي مدرس تتلمذ، ولكن نعلم أنه قد تعدى زمانه، وعاش بالحياة وبعد الحياة بينما في الدنيا موتى في حياتهم.
قابلته في أحد الدواوين بعد سنوات الدراسة والغربة، ودار بيني وبينه نقاش طويل:
ــــ أستاذ عقاب، لقد نلت على يديك الكثير من الضرب ايام الدراسة الابتدائية، فلم تكن رحيما معنا.
ــــ أجاب، رحمه الله، ضاحكا: لو لم أؤدبك لما أصبحت طبيبا الآن!
ــــ ولكن يا استاذ عقاب، مفاهيم العصر في التربية قد تغيرت، فلم يعد الضرب احدى وسائل التقويم للأجيال.
ــــ قال لي: هذا ما جعل هذا الجيل من الطلبة رخوا لا يبذل مجهودا في تلقي العلم. ولعلمك في ذلك الزمان لم تكن السيطرة على الطلبة بالأمر الهين، لذلك.. فالشدة مطلوبة، وهذا ما جعل للمعلم هيبة وقيمة، وكان الآباء متفهمين، بل إن بعضهم يقول للمدرس «لك اللحم ولنا العظم.. هؤلاء ابناؤك ولن نتدخل في طريقة تعليمهم وتدريبهم». وكان أحد الآباء، الذي أوصاني بهذه الوصية، والدك، رحمه الله، لذلك نالك من الشدة بعض ما ذكرت، ولذلك ايضا ظهر جيل صلب افتخرت به الكويت في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم. فالمعلم هو أساس التقدم والرقي في جميع بلاد العالم. انظر الى طريقة التعليم ومخرجاته هذه الأيام تجد العجب، الغش، الدروس الخصوصية، الغياب وعدم احترام المدرس.. والنتيجة هي تأخرنا في جميع المجالات.
* * *
رحمك الله يا أستاذ عقاب الخطيب وزملاءك الكويتيين الأوائل الذين تتلمذنا على أيديهم، سواء في المدارس الأهلية او التعليم الرسمي، وأسكنهم فسيح جناته.
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق