للكويتيين سمعة على المستويين العربي والإقليمي مفادها أنهم شعب يتمتع بحس عال في رعايتهم واهتمامهم بمظهرهم الخارجي, فتجدهم فتية وفتيات على اطلاع على آخر ما رست عليه سفن الموضة العالمية, من حيث ما يلبسونه وما ينتعلونه, وما يتعطرون به, فتجد كل من استطاع -أو لم يستطع- قد ابتاع ما يصدر عن أكبر وأرقى وأغلى دور الأزياء العالمية, وجزء لا يتجزأ من هذا المجتمع, بل أنه الجزء الغالب على المجتمع الكويتي اخيرا عددا وحضورا هو: النساء المحجبات, اللاتي ينضممن لهذا الحشد الجماهيري المهتم بالأزياء وآخر الصرعات.
والحجاب وإن كان ينظر اليه البعض على أنه مفازة دينية تظفر بها امرأة قررت ارتداء الحجاب عن أخرى قررت أن لا ترتديه, إلا أن الحقيقة الثابتة عند هذين النوعين من النساء أنه جزء لا يقبل الانفصال ولا الانقسام عن الملبس بصورته وشكله النهائي, ومن هنا كان لا بد لكل امرأة تهتم بعنصر الجمال الخارجي أن تعامل الحجاب على أنه قطعة مكملة وجب أن تتماشى مع ذوقها في اللون والشكل والملمس, بحيث يتسق في النهاية شكل الحجاب مع ما اختارته من مظهر تطل به على العالم.
والحقيقة أن هناك الكثير من الحالات التي ظهرت فيها نساء اخترن أن يرتدين الحجاب في الوقت الذي اخترن فيه أن لا يتنازلن عن الجمال في مظهرهن, فعملن على خلق قدر من التوازن في حمل أنفسهن وأجسادهن على الإخلاص لكلتا الأولويتين (الحجاب وإظهار الجمال), إلا أن هناك الكثير من الحالات الأخرى التي ظهرت فيها المرأة أو الفتاة المحجبة بمظهر يبالغ في إرضاء إحدى الأولويتين, فظهرت إما بمظهر رث أو منفر أو بال بحجة اجتناب الغواية والتحجب عن المعصية, أو أنها ظهرت كاللامبالية بتلك القطعة من الخام التي لا تعلو شيئا سوى قليل من شعر رأسها, ولا تستر شيئا سوى قليل من لحم وعضل جسدها.
وفي الحقيقة فنحن عندما نمعن النظر في النوع الأخير من النساء والفتيات, سنجد أن المجتمع الذي لا زال يلعن في أشكالهن ويسب في استهتارهن بالحجاب ويرفض تقبلهن كما اخترن أن يظهرن, هو المسؤول الحقيقي عن لجوء معظمهن الى هذا الأسلوب تحديدا في إظهار أنفسهن والاهتمام بشكلهن, وذلك لأنه ألزمهن بشكل أو بآخر بالحجاب, وفرضه عليهن كرها لا طواعية, وغصبا لا اختيارا.
فكثيرات هن النساء اللاتي اخترن في يوم ما أن يرتدين الحجاب تحت وطأة شعور معين أو إدراك محدد, إلا أنهن أدركن لاحقا, أو شعرن بما حملهن على قرار خلع الحجاب, لكنهن ووجهن ولا زلن يواجهن بالرفض والتجريم والتوبيخ والتأنيب, وأحيانا التهديد لمجرد تفكيرهن بالاستجابة لرغبتهن في ترك الحجاب, وما المظهر المبالغ به, وما الاستهتار بالحجاب, وما التلوين والتغيير في شكله وصورته ومظهره, إلا طريقة أخرى يخبرن فيها النساء وفتيات المجتمع والعالم بأنهن رافضات للحجاب وغير قانعات به, ولا خانعات لمن غصبهن عليه, فكان الأدعى أن نحل المشكلة من جذورها وأن نترك حرية الحجاب خالصة للمرأة تقرر وحدها متى ما شاءت اتيانه أو تركه, بدلا من أن نسخر من توابع مشكلة نحن -كمجتمع- من غرس جذورها حين اخترنا أن يكون الحجاب كالحكم المؤبد على المرأة, فلا نجيز لها تبرئة نفسها منه بخلعه, ولا يصح لها التكفير عنه بتطويعه كيفما شاءت وهي ترتديه.
h_alhuwail@yahoo.com – See more at:
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق