ولنا بالتاريخ عبرة..
الزمان: القرن الرابع الهجري
المكان: قرطبة
بطل الرواية: ابن السقا
الوظيفة: قيّم بيت المال
كان ابن السقا فقيراً معدماً يكسب رزقه من عمل بسيط، خدم القضاة، وتمرن على يد الفقهاء، وكان يسكن في دويرة – وهي تصغير دار – مع اخوته، ارتقى ابن السقا في غفلة من الزمان الى أعلى المناصب بالدولة، وأصبح قيّم بيت المال، يقول ابن حيان: «كنت قد كتبت في وصف ظاهر محاسنه، وعددت حسان خصاله لأخذي بظاهر الأمور ولم أتبين ما في باطنه من نذالة، حيث عتى وتكبر وخان وغدر، فاستخف بذوات الهيئات وحملة المروءات، فأذل صوتهم وأغرى حاشيته من سفلة الناس وأوغادهم بهم، فحط من أقدارهم، وأشعر الأعزة الذلة واصمتهم عن الكلام، فلما ذاع من خفاياه ما ذاع، وشاع من بلاياه ما شاع، حيث مد يده الى الخراج ينفقه كما يريد، وقرب اليه فئة من الغلمان يعتمد عليهم في ملذاته، وأدخل بالجيش اراذل الطبقات من شرار الناس فأخضعوا له الرقاب وألانوا له الصعاب، وباء ابن السقا بغضب من الله والناس، فكانت النهاية التي تضعها الشعوب حين يعيل صبرها فاغتيل ابن السقا بعد ان اغتال كل معنى شريف في هذه الحياة».
اجتمع القضاة في قرطبة برئاسة القاضي سراج بن عبدالله، وتأكد لهم ان ابن السقا قد تولى المنصب، ولم يكن يملك شروى نقير، وبعد وفاته خلف لابنه وأسرته تركة كبيرة جداً، فعين القاضي محمد بن كوثر قيما على هذه التركة ومنفذا للوصية، فراعه ان التركة جمعت من مال حرام ونهبت نهبا من أموال الشعب استغلالا للنفوذ واستعدادا للسرقة واثراء بلا سبب، وأجمع الفقهاء على بطلان هذه الوصية وان تؤول جميع الأموال الى بيت المال، أي الدولة، فما أخذ بغير حق يرد الى صاحبه. وهكذا سبقت الدولة الاسلامية في الاندلس باقرار مبدأ وقانون «من أين لك هذا»، الذي لم يعرفه العالم المتقدم الا هذه الأيام، ما يهمنا هو العبرة ممن ينتهبون أموال الوطن، ممن يولون عليها ظلما وعدوانا. ويعتقدون ان الله غافل عنهم، الآن لدينا قانون كشف الذمة المالية، وهيئة مكافحة الفساد أقرت في المجلس السابق وعيّن لها مجلس إدارة.. وقد طال انتظارنا له.
د. صلاح عبداللطيف العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق