أحمد الجارالله: قمة تفعيل الآمال

تباين وجهات نظر أعضاء “مجلس التعاون” أمر صحي, وليس جديداً عليهم, بل موجود منذ زمن طويل, وكان دائما يؤدي إلى نتائج إيجابية لأنه تعدد آراء في البيت الواحد, أساسه الوصول إلى الأفضل في مسيرة تمتين أركان هذا البيت لا أكثر.
لا شك ان الوحدة هي الهدف النهائي المنشود للمجلس, وهو ما عبرت عنه المملكة العربية السعودية في طرحها مسألة الاتحاد في مرحلة تكاثرت فيها الأخطار المحدقة بالاقليم, ولكي لا تؤخذ دول المجلس على حين غرة, أو يستفيد المتربصون بها شراً من بعض ثغرات هنا وهناك.
وهذا أمر لا تختلف الدول الأعضاء عليه, فهي أقرته في ميثاق المجلس منذ انطلاقته في العام 1981, لكن هناك وجهات نظر أخرى تستحق النقاش والمزيد من التباحث, وربما على هذا الأساس بنت سلطنة عمان- الحريصة كغيرها من دول “التعاون” على استمرار هذه المسيرة وتطورها- موقفها في هذا الشأن.
لماذا يستغرب البعض هذا التباين? أليس هناك تباين في وجهات النظر الأوروبية, ورغم ذلك لم يفسد سعيها إلى اتحادها الذي قام على أسس قوية, حتى مع عدم انخراط بعض الدول في كل المؤسسات, كالمملكة المتحدة التي حافظت على عملتها ولم تنضم إلى منطقة اليورو, بل هناك برلمان مشترك, ورئاسة دورية فاعلة, وقرارات ملزمة للجميع.
الفروقات الأوروبية أكثر بكثير مما موجود بين شعوب “مجلس التعاون”, فهنا ثقافة ولغة ودين وعادات وتقاليد واحدة, بينما هناك لغات عدة, وثقافات متنوعة, بل حروب لعقود من الزمن, وملايين القتلى والجرحى, ورغم ذلك تجاوزت الشعوب الأوروبية كل عقباتها, وصرفت نحو أربعة عقود تعمل على بناء صرح وحدتها, ولا تزال حتى اليوم تستكمل مسيرة البناء.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يتأسس لمواكبة مرحلة عابرة, إنما كان خياراً مصيرياً للشعوب والحكام, فهو انطلق من وحدة المسار والمصير, ولهذا استطاع في العقود الثلاثة الماضية أن يصمد في وجه كل العواصف والأنواء التي هبت على المنطقة.
لا شك أن الطريق شاقة, ودائما تحتاج إلى تذليل عقبات تنشأ خلال المسيرة الطويلة, ولهذا فان القرارات التي اتخذت في القمة الاخيرة, تعتبر خطوة كبيرة من أجل تحقيق الفقرة الاولى في المادة الرابعة من ميثاق المجلس.
صحيح ان في السنوات الماضية تحقق العديد من آمال شعوب وحكام المجلس, لكن هناك أيضا آمالاً أخرى لا بد من تحقيقها, أكان على مستوى الاتحاد الجمركي, او الربط المائي والكهربائي, او البنية التحتية للمواصلات لتسهيل تنقل البضائع والاشخاص ورؤوس الاموال والاستثمار, وحتى تبادل المعلومات الأمنية عبر الربط الالكتروني.
كل هذه الخطوات تجعل من “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها” وفقا لما جاء في المادة الرابعة مسألة طبيعية, وأمراً مفروغا منه في الوقت المناسب.
في القمة الاخيرة برزت حنكة وحكمة صاحب السمو الأمير بأوضح صورها, عبر إدارته جلسات القمة, وحرصه على أن تكون القرارات المتخذة أساساً جديدا تبنى عليه الرؤية الى مستقبل المجلس, وهو ما ستلمسه الشعوب والحكومات في المستقبل القريب, لأنها قرارات تترجم الآمال والاحلام الى أفعال.
كل مرة يربح الخليجيون الرهان في مسيرتهم لأنهم يستندون الى قادة وحكومات لا هم لها إلا خدمة شعوبها وترسيخ استقرار أوطانها, وفي هذه القمة أيضا ربحوا الرهان رغم كل ما تشهده المنطقة من قلاقل ومتغيرات لأن رهانهم هو على أنفسهم وليس على الغير.

أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.