في الوقت الذي كانت شركة نفط الكويت تفخر فيه بإنجازها لمجسم الضب العملاق في منطقة العبدلية النفطية مستخدمة بقايا الحديد والأنابيب وغيرها لصناعة هذا المجسم، كانت هناك أطراف أخرى أثارها هذا البناء حتى هاج هؤلاء وماجوا وتداعوا الى التجمع لهدم (الصنم) الجديد الذي ظهر (شمال شرق) الجزيرة العربية بعدما تاب الله عليها من عبادة الأوثان والاصنام، والتي تمكنت كلما عادت ممارسات تقديس الأوثان اليها من مقاومتها والقضاء عليها سواء كانت من الأشجار او الأحجار.. او غير ذلك مما قد يتبرك به الناس من دون الله.
ومن المؤكد ان من وضعوا مجسم الضب العملاق هذا لم يخطر ببالهم ان يكون امتداداً للصنم (هُبَل) او (مناة) او (العزّى) او (اللات) أو أي من أصنام العرب أيام الجاهلية، ولم يظنوا أن الناس مثلما سمت أيام الجاهلية أبناءها بأسماء الأصنام فهذا (عبد – مناة) وهذا (عبد – اللات) ستفعل نفس الفعل بعد ما هداهم الله للإسلام، بل هو مجرد عمل فني رمزي يستهدف أمرين كلاهما يصب في خانة حماية البيئة.
أما الأمر الأول فهو الرمزية لضرورة حماية حيوانات وزواحف البيئة الكويتية الصحراوية الجافة الشديدة القسوة على ما يعيش فيها من كائنات، ومن اهم تلك الكائنات الضب الذي يتعرض سنوياً الى هجمات صيد قاسية تجاوزت وسائل الصيد التقليدية سواء بسكب الماء في جحره أو وضع هوز موصول باقزوز السيارة (العادم) لاجباره على الخروج أو بوضع حبل على شكل انشوطة على فتحة الجحر أو مطاردته ركضاً على الأقدام، لكنها تجاوزت ذلك كله الى استخدام البنادق التي لا تترك لهذا الزاحف المسكين منفذاً ولا مهرباً، والاسباب ما بين من يرغب في أكله ليحصل على (الطاقة) الخرافية التي سمعنا عنها من (طاش ما طاش)، وهذا بإمكانه أن يستعين بالأدوية التي يقدمها الطب الحديث لتزويده بالطاقة المفقودة، أو من يقتل لمجرد القتل والتسلية، وهذا يستحق أن يلطم يومياً بعكرة الضب في وجهه حتى يتوب عن هذا المرض.
أما الأمر الثاني الذي يرمز له هذا المجسم فهو التشجيع على اعادة تدوير النفايات الضارة او المؤذية للبيئة لتأخذ شكلا جماليا مميزاً، وهنا نحن نُخلّص البيئة من النفايات من جهة ونصنع شيئا جميلا ومميزاً من الجهة الأخرى.
لكن الواقع يؤكد أن لدينا الكثير ممن ناصروا هدم تماثيل باميان في أفغانستان، وهم اليوم من أنصار هدم تمثال الضب وتحطيمه شر محطم معتبرينه صنماً وثنيّاً مع ان اي منصف في هذا البلد يدرك تماما انه لن يجد كافراً يستيقظ يوما على صوت بكاء جنين ولدته زوجه للتو وسط الصحراء فيرى من باب بيت خيمته الضب العملاق في الصحراء فيقرر ان يسمي ابنه (عبد – ضب) تيمناً بهذا الصنم!
ولن تتوجه أم يوماً الى مقر هذا الضب الوثني ساحبة وراءها ابنتها العقيم التي لا تلد لتخاطب الضب وتتوسل إليه وتذبح له القرابين آملة أن يزود ابنتها بالخصب المفقود.
ولن يتوجه التاجر المحتار في دخول المناقصة او عدم دخولها الى مقام (الضب المقدس) فيقدم لكهنته القرابين والذهب والفضة، ويبكي تحت ارجل (الضب المقدس) سائلا.. أغثني يا ضب.. هل ادخل المناقصة ام لا؟.. وعندها.. إما ان يضرب الضبّ المعدني بذيله الشوكي العظيم تجاه الشمال رافضا.. أو يضرب باتجاه اليمين قابلا ومشجعا ومباركاً له دخول المناقصة.. فهو مجرد تمثال رمزي مصنوع من البقايا والنفايات المعدنية.. مجرد جماد لا يضر ولا ينفع.
لقد تخطى المسلمون تلك المراحل الوثنية، وهم اقوى بكثير وأفضل بكثير مما يظن فيهم دعاة هدم التماثيل والنصب التذكارية التي هدمها المسلمون الاوائل خوفا من رمزيتها وضعف الناس أمامها مع حداثة الإسلام آنذاك وتغلغل الوثنية في النفوس، لكنها اليوم لا تمثل أكثر من جماد له قيمة فنية.. ورمزية بسيطة لأهداف إنسانية وبيئية راقية، ولا شيء أكثر من ذلك على الإطلاق.
???
بعيداً عن النقاش السابق، ومن منظور فني بحت، أظن أن من صمم تمثال الضب ونفذه جانبه التوفيق حيث أخفق تشريحياً فصارت النتيجة تمثالاً لضب يشبه الورل.. ولا يختلف عن البريعصي العملاق،.. ليتهم استعانوا بطرف له رؤية فنية أدق لتكون النتيجة أجمل.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
أنستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق