اشترت صديقة أميركية قبل فترة كاميرا إلكترونية, وبعد أن هنأتها بما حصلت عليه عرضت عليها مساعدتي لتشغيل الكاميرا. وبعد تقليب الكاميرا بضع لحظات قلت لها “انظري هنا:اإضغطي هذا الزر فتشتغل الكاميرا الإلكترونية, وهذا الزر يفعل “الزووم”… وهكذا بدأت أشرح لها بشكل متحذلق كيف يعمل هذا النوع من الكاميرات. وفقاً لخبرتي العربية السابقة في محاولة التبلتع والتظرف!
بعد ذلك, بدأت الصديقة الأميركية تقلب كتيب التعليمات المرفق مع الكاميرا, بل بدأت تقرأه من بدايته حتى انتهت بعد نحو الساعة, فسألتها بعد ذلك, لماذا تضيعين وقتك في قراءة كتيب الارشادات مع أن كل شيء واضح ولا يتطلب هذا الجهد? فنظرت إليَّ وقالت حرفياً: أقرأ كتيب التعليمات لأنني أريد أن أتبع خطوات التشغيل ومعرفة كل ما يمكن استعماله في الكاميرا لكي أستفيد منها بشكل أفضل! وبالطبع, في بلاد العرب أوطاني يشيع بين البعض التحذلق ومحاولة إظهار المهارة في التعامل مع شيء ما أو وضع ما أو جهاز ما بشكل اعتباطي وعشوائي استنادا إلى تخيلات القدرة العربية الخارقة والمهارة الذاتية الفطرية, والتي لا يشق لها غبار: فلا تعليمات تُقرأ جيداً ولا إجراءات تتبع, أو تطبق بشكل منظم, ولا يتم اتباع ما يجب اتباعه وفعله قبل الاتيان بأمر او قبل الاقدام على إجراء معين.
بعض العقول تتحذلق دائماً, وتحاول تخطي ما هو منطقي, وتقفز حواجز ذهنية لا يمكن قفزها بسهولة أو بيسر ما لم يتم اتخاذ خطوات معينة, أو التأكد من فرضيات معينة. بمعنى آخر, الغربي لا يتبلتع كثيراً ولا يتحذلق كثيراً لأنه يعرف جيداً أن التفكير العقلاني والعملي هو ما ينفع في الحياة اليومية وهو الذي سينجيه من تضييع الوقت وهدر جهوده الشخصية. أما بعض العرب, وبخاصة من لا يزالون يتعلقون ببعض خزعبلات الماضي, ومن يعتقدون أنهم فهلوية وأكثر ذكاء من الآخرين, فستراهم دائماً وأبداً آخر من يستوعب الدروس وآخر من يقرأ التعليمات والارشادات, وبالطبع هؤلاء النفر هم الأكثر فشلاً في فهم واقع ما يحدث حولهم, والأقل قدرة على الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة, والأقل قدرة على تطوير أنفسهم لأنهم لا يزالون يعتقدون أنهم الأفضل, وأنهم الأسرع استيعابا لكل ما يجري حولهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق