صلاح الساير: الأنوف لو نطقت

حاسة الشم لدى الإنسان معرضة للضمور وربما الانقراض، ومخزون الذاكرة الأنفية ينفذ ويتصحر كلما تقدم العصر وتطورت الحياة. فلا أجهزة الكمبيوتر لديها رائحة تميزها ولا الهواتف الذكية ولا الطرقات ولا البيوت الحديثة ولا الأطعمة بعد أن تعرضت مكونات الطعام للمعالجات الكيماوية. فنحن نعيش في عصر بلا رائحة خاصة بالأشياء من حولنا حيث رائحة المنظفات واحدة في الفنادق والإدارات والمعابد والبيوت.

كانت للروائح سطوة على الأمكنة في الأزمنة القديمة وقت كان الإنسان يعيش قرب البساتين حيث تضوع رائحة الزروع، أو كان الإنسان يعيش قرب الشطآن حيث رائحة اليود المنبعثة من البحر. كان للأسواق روائحها الخاصة يدركها اليوم كل من يشتري سمكا من سوق السمك ولا يشتريه من قسم الأسماك في الأسواق الحديثة، فمن يلتقط الأرغفة المعبأة بالأكياس البلاستيكية من رفوف الخبز في السوبر ماركت لن تلتقط ذاكرته الأنفية الرائحة التي تدرك الشخص الواقف أمام باب الفرّان.

كان للطرقات رائحتها التي تختلف باختلاف الفصول. فالمطر الذي يهطل على الاسمنت والزجاج والالمنيوم لا يخلف رائحة كمثل التي يخلفها حين ينهمل على بيوت الطين أو الحجر مثلما كان يحدث في الماضي وقت كان للجدات روائحهن التي نشبهها برائحة الجنة عندما كانت النسوة يجدن خلط البخور والتعامل مع النباتات العطرية قبل انتشار العطور الباريسية المتوافرة لدى الجميع.

من يدري؟! فقد يصبح لدى الإنسان أربع حواس فقط بعد أن يفقد حاسة الشم.

www.salahsayer.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.