كيف لشخص مثل جاسم القطامي أن يغيب عن المجلس التأسيسي؟ تلك المؤسسة التي وضعت معالم وأسس الانتقال من مجتمع مطلق الحكم، عشائري الإدارة والنهج، إلى خارطة طريق نحو الإمارة الدستورية، ذلك الدستور الذي وضع قاعدة الانطلاق لذلك المفهوم الذي يتم تداوله هذه الأيام. سألته ذات مرة، ألم يزعجك أنك لم تكن عضواً في المجلس التأسيسي؟ كان رده مترافقاً مع زفرة حارة، الحكاية كانت أن الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، وبعد أن تم إعلان استقلال الكويت والهجوم الذي شنه عبدالكريم قاسم عليها طلب من كل من د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي أن يساعداه في تثبيت الاستقلال، علماً منه بأن علاقات الرجلين القومية وثيقة لدرجة ستفتح آفاقا دبلوماسية إقليمية. المشكلة هي أن العلاقة بين السلطة والحركة الوطنية كانت في أسوأ حالاتها بعد أزمة فبراير 1959 التي جرت فيها اعتقالات وملاحقات وإغلاق للأندية والصحف، وكان القطامي من أبرز المتضررين حيث تم اعتقاله لفترة وفصله من عمله ووُضع لفترة تحت الإقامة الجبرية. سألته كيف تجاوزتما ذلك الوضع؟ كانت إجابته مباشرة “لم يكن الأمر يحتمل وجهة نظر، فبلادنا كانت في حاجة إلى جهودنا ولا يمكن أن نتخلى عن أداء الواجب حتى لو كانت في النفوس غصة”، ذلك اللقاء التاريخي جرى فيه نقاش مطول حول المستقبل، وقد أكد الرجلان للأمير كامل استعدادهما للوقوف بوجه قاسم والتحرك على المستوى العربي مع مطالبتهما من الشيخ عبدالله السالم أن يؤكد لهما أن نظام الدولة المستقلة سيكون نظاماً ديمقراطياً يحكمه دستور يفصل بين السلطات ويعزز من حريات الناس ويؤصل المشاركة السياسية. وفي ذات الوقت كانت هناك لجنة جابت دولاً عربية لتصل لذات الرأي، وهو التوجه نحو الديمقراطية كمنهج للدولة المستقلة ولكن تلك اللجنة تحتاج إلى تفصيل آخر. وحيث إنه لم يكن هناك وزارة خارجية حينذاك فقد تم في البدء إنشاء إدارة الخارجية ملحقة بالديوان الأميري، ثم أصبحت لاحقاً وزارة مكتملة التأسيس. يقول جاسم القطامي عن تلك اللحظة “فاجأني الشيخ عبدالله السالم بطلبه مني أن أتولى تأسيس الوزارة الجديدة، ولم يكن في ذهني حينها منصب رسمي فقد كنا نعد العدة للمشاركة في عملية البناء المؤسسي عن طريق العمل الشعبي، وحين أدركت إلحاحه وحاجة الوطن إلى هذه المهمة في هذه اللحظة الحرجة، وافقت ولكني اشترطت أن يكون ذلك فقط للمرحلة الأولى، وطلبت منه أن يعفيني من تلك المهمة عندما تبدأ الانتخابات البرلمانية، وقد وافق الشيخ على ذلك” وهكذا كان، أسس القطامي الوزارة وأصبح وزيرها الشيخ صباح السالم، رحمه الله، ولعبت دوراً محورياً في معركة الاستقلال، ولذلك لم يكن لجاسم القطامي أن يخوض انتخابات المجلس التأسيسي، ولكن ما إن صدر الدستور استقال من منصبه وخاض انتخابات مجلس الأمة وفاز فيها. وللحديث بقية.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق