عبداللطيف الدعيج: أزمة سكن أم أزمة بشر

امس لفت انتباهي اعلان عن «شقق فاخرة» للايجار. طبعا الامر عادي، عادي لو كانت هذه الشقق في منطقة تجارية كالسالمية او حولي، او حتى استثمارية كالجابرية والسرة وبعض المناطق الاخرى. عادي جدا لو كانت بعد الدائري السادس او حتى الخامس او الثالث. لكن المنطقة المعروضة الشقق الفاخرة – وليس شقة واحدة او دورا كالعادة- للايجار فيها هي تحت الدائري الثالث، اي منطقة من مناطق الكويت النموذجية المعروفة.

وبعدها يصرخ من يصرخ ويتألم من يتألم، وبالطبع يلوم الحكومة وطبعا التجار معها على ارتفاع اسعار الاراضي. هل الذي حول بيته السكني في هذه المنطقة النموذجية الى بناية تجارية، تاجر عقار عملاق يحتكر المباني والاراضي؟! ام مواطن «غلبان» من المعروفين بذوي الدخل المحدود؟! من سمح بتحويل المناطق السكنية الى مناطق تجارية تؤجر فيها البيوت والادوار والشقق الفاخرة هذه الايام؟! من سمح بارتفاع نسب البناء واستغلال على كل الاراضي الفضاء المخصصة معماريا وحضاريا للتهوية ولاضفاء الهدوء والسكينة على المناطق النموذجية؟! من سمح بتعدد الادوار في المناطق السكنية بحيث علت البيوت وحجب بعضها الشمس ومنع الهواء عن الجيران، الذين بالطبع وجدوا انفسهم مضطرين لمنافسة جارهم حتى يتنفسوا ولا يشعروا بالضيق؟

ان ارتفاع اسعار العقار السكني وتفاقم مشكلة السكن يعود بالدرجة الاساسية الى السياسة الخرقاء، المتخلفة وغير الحضارية التي سنتها المجالس البلدية المنتخبة. هذه المجالس التي تفننت في الاجتهاد في رفع نسب البناء وفي تقسيم القسائم السكنية، وخلق كل الفرص الممكنة وحتى غير الممكنة للاستفادة تجاريا من العقارات السكنية. وغني عن القول ان سبب هذا هو المواطن «الغلبان» ذو الدخل المحدود الذي اصر على ان يتربح وان يتملك العقار، فحول المناطق السكنية الى مناطق تجارية، والمباني السكنية الى عمارات وشقق وحتى ملاحق تؤجر وتستثمر تجاريا.

هكذا اصبحت المناطق السكنية غير صالحة للسكن، والمناطق النموذجية تحولت الى «داون تاون» تجارية تفوق اكبر مدن العالم ازدحاما وضجيجا.

ان حل المشكلة السكنية لا يكمن في توفير المزيد من الاراضي او بناء الاضافي من البيوت. بل بتغيير العقلية التجارية التي تقف خلف الكثيرين الذين يطمعون في التسهيلات الحكومية من اجل تكوين الثروات الخاصة.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.